أ.د.عثمان بن صالح العامر
هذه الأيام تحتضن حائل مهرجان الصحراء الدولي في نسخته العاشرة، تحاول الجهات المنظِّمة من خلال هذا المهرجان السنوي إبراز شيء من جمال وروعة البيئة الصحراوية، فضلاً عن أنها تبذل جهدها في إعطاء الزائر المتابع لفعالياتها المختلفة شيئاً عن ثقافة قاطني الصحراء وسكانها عبر التاريخ (أخلاقياتهم وقيمهم، أكلهم، لباسهم، فنّهم، شعرهم، فراستهم، رياضاتهم، حكاياتهم، طبائعهم، صِلاتهم بعضهم مع بعض وعلاقتهم بالآخر الذي يفِد إليهم).
لقد التفت إلى هذا المنحى الجمالي في الطبيعة التي رزقنا الله إياها، وصوّر بكل دقة إنسان الصحراء، وسجّل قيمه وأخلاقياته «سلموه» المستشرقون الذين مرُّوا بهذه الصحراء يوماً ما، عكف على هذا التراث الاستشراقي الثرّ عدد من الباحثين المهتمين، فنقلوه لنا كما هو في مذكرات هؤلاء الرحّالة، وحُق لأبناء البادية أن يفخروا بما قيل عن قيمهم الإيجابية التي ما زال البعض منهم محافظاً عليها متمسكاً بها، يرثها جيل عن آخر، ويوصي بعضهم البعض بالبقاء على ما كان عليه الأجداد، من شيم ومروءة وكرم ونُبل خلق وتكاتف وتعاون وحسن جيرة واحترام متبادل بين الجميع.
إنّ الإلف للصحراء والعيش فيها (رمالها وهضابها، سفوحها وجبالها) جعل استشعار روعة الطبيعة وجمال صورتها، يخبو شيئاً فشيئاً لدى إنسان المنطقة مع مرور الليالي ومداولة الأيام، وإلا فإنّ لهذه الصحراء بجميع مكوّناتها جماليات لا يمكن أن تنمحي مع تقادم الزمن، البعض منها مما أبدعه الله فيها، والآخر مكوّن ثقافي لإنسان هذه الأرض الطيبة تراكم مع مرور الأيام، وكلاهما حقه التسويق والتشويق.
لقد بذلت اللجان المنظِّمة المختلفة جهدًا مشكوراً، وبقي دعم هذه المهرجانات النوعية من قِبل الهيئات العليا المعنية والمثقفين الكتّاب بالتسويق الخارجي، الذي يحقق اطلاع الآخر على بيئتنا وثقافتنا التي نفخر بها كما هي، دون أي ملامح تجميلية أو تنميق حرف، خاصة وأن هناك مدارس مختلفة غربية وشرقية تعيّرنا بأننا لا نعرف إلا الصحراء والجِمال، وما علموا أنّ خلف هذا النعت المستهجن لديهم مكوّن ثقافي عريق.
من أجمل اللحظات التي يمكن أن تعيشها لحظة تنفس الصبح - الذي أقسم الله به في القرآن الكريم - وأنت تجلس فوق طعس مرتفع ترقب أشعة الشمس تشرق على الكون الفسيح، وقل مثل ذلك حين الغروب.
ومن أنبل الصفات وأحسن السجايا والخلال في بني آدم خلق الكرم، الذي سطّر إنسان الصحراء له مع هذا الخلق المتميّز تاريخًا لا يمكن أن ينمحي، ومن أراد أن يعرف طرفاً من حكايات هذه الخلة المتميزة «الكرم» مع إنسان الصحراء المعاصر فليزر « جُبة»، وسيكون الجواب ما يراه لا ما يسمعه، وحُق لنا أن نفخر ونفاخر بالصحراء وإنسانها الذي يستحق منا الشكر والتقدير والتبجيل والاحترام. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.