د. جاسر الحربش
منذ حرب أفغانستان الأولى والمجتمع السعودي في جدل داخلي بين الأخوين مقفي ومقبل. كانت الخلافات في بداياتها توقد بخطب المساجد وكاسيتات الدعاة من جهة، وبمحاضرات الحداثة وكتابات الرأي من الجهة المقابلة. الخصومة كانت على كسب قلوب الجماهير في مقاعد المتفرجين على ما هو أحفظ لأخلاقها وأصالتها وتقواها حسب مرافعات طرف، وعلى صناعة المستقبل ونبش التراث لالتقاط النفيس منه والتصالح مع الأمم والشعوب والحضارات من الطرف الآخر.
أغلب الجمهور بقي صامتا، لأنه أولا لا يفهم كل المصطلحات المتداولة ومشغول بشؤونه الخاصة، ولأنه مطمئن لوجود الحكم المطاع الذي يستطيع التدخل والبت حسب ما يراه في المصلحة العامة. لأن الحكم يدقق الأمور بحسابات التعايش والأمن الداخلي والخارجي ومراعاة الكفة الاجتماعية في عوامل القوة والتأثير، فلم يكن يتدخل إلا عند الضرورات الملحات. الضرورات الملحات تكون في أغلب الأحوال ذات منابع داخلية، وفي بعض الأحوال تفرضها معطيات السياسة والدبلوماسية والاقتصاد، وبالطبع مع المحافظة على ما هو ثابت الوجوب بالضرورة.
في البضع سنوات الأخيرة انفجرت سطوة العولمة وأهمها العولمة المعلوماتية، مما أتاح للجمهور الذي كان سابقا على مقاعد المتفرجين، أن يتحرك ويتحدث، أحيانا بأدوات التعريف وأحيانا بدونها، بأدوات التنكير. هذا التطور الأخير، أي إتاحة أدوات التواصل المعولم كشف حقائق كانت مغطاة بالتخمين والانطباعات الخاصة ينسجها كل طرف حسب هواه وثقافته. المتتبع للتغريدات بعددها الهائل بعد كل مقابلة فضائية داخلية أو خارجية أو مقال في الرأي توضح أن ما كان يردده الأخ مقفي عن استحواذه على قلوب الجماهير وأنهم لا يريدون إلا ما يريده لهم ليس صحيحا بالتعميم على كل الطبقات العمرية. تشريح الواقع بحيادية ودون انفعال يقول إن الفئة العمرية الشبابية ما بين الخامسة عشرة والثلاثين من الجنسين هي الأكثر مشاركة في التعليقات والتغريدات والأكثر وضوحا في تأييد مرافعات الأخ مقبل عن صناعة المستقبل والاكتفاء بالنفيس من تراث العادات والتقاليد والأعراف وأهمية التصالح بين الأمم والشعوب والحضارات.
بالطبع الأخ مقفي ومحبوه لم ولن يصدقوا هذا التطور، لأنهم لا يريدون تصديقه. السبب أنهم يغفلون عمدا فعل الزمن من حساباتهم وما يحدثه الاصطدام بالأجنبي الأقوى من تحفيز وغيرة ورغبة في اللحاق بالصفوف الأولى بين الأمم. أما الأخ مقبل ومحبوه فمازالت في دواخلهم بقايا الهيبة من سطوة الأخ مقفي ومحبيه وينتظرون تدخل الحكم النهائي ليفصل في الأحوال حسب مقتضى الحال.
المعركة بين الأخوين مقفي ومقبل كانت منذ بداياتها معركة معطلة للطرفين وللجماهير ولاتخاذ القرار وللوطن. القضايا الخلافية لم تكن تمس ثوابت شرعية ولا أخلاقية ولا وطنية، فهي قضايا حقوقية معروفة للأخ مقفي ومحبيه وللأخ مقبل ومؤيديه، وأصبحت على قدر أكبر من الوضوح للجمهور.
أما الحكم وفقه الله فهو الأعرف من الجميع بكل القضايا الخلافية وطرق التصرف حيالها بما فيه مصلحة الجميع للحاضر والمستقبل وليسير مقفي ومقبل في نفس الاتجاه.