د. محمد عبدالله العوين
وأنا أكتب هذا المقال عصر يوم الجمعة الفائت لفت انتباهي في أثناء تجوالي على المواقع الإخبارية في الإنترنت خبرٌ مقتضبٌ وسريعٌ عن مداهمة أمنية في المدينة المنورة للقبض على مجموعة من الدواعش!
وعدت بالذاكرة قليلاً إلى ما حدث قبل أيام؛ فقد تمت آخر مداهمة في حي الحرازات بجدة 23 - 4 - 1438هـ وفجر الإرهابيان خالد غازي السرواني ونادي مرزوق المضياني نفسيهما وتناثرت أشلاؤهما بصورة وحشية مقززة في مساحة واسعة من الاستراحة التي كانا يأويان إليها، وقبض على ثالث مختبئ في وكر إرهابي آخر بحي النسيم بجدة في عملية متزامنة هو المدعو حسام الجهني، ووجد في الموقعين أسلحة مختلفة وأدوات تفجير، وسبق هذا النجاح الأمني الباهر الذي يحمي الوطن والمواطنين من شرور هذه الشرذمة الباغية الضالة تحقيق أعلى صور الانتصار الأمني في مداهمة حي الياسمين بالرياض صبيحة 9 - 4 - 1438هـ في بطولة خارقة تسجل بمداد الفخر والاعتزاز لرجال أمننا البواسل من جوانب عدة؛ لعل أهمها التحري الدقيق ورصد المعلومة وتتبعها والنجاح في الوصول إلى الهدف على الرغم من طرق التمويه وأساليب التخفي التي يتبعها الإرهابيون وسط الأحياء السكنية حيناً أو في المواقع النائية البعيدة عن الحركة، ثم البطولة الخارقة والتضحية النادرة التي سجلها رجلا الأمن الباسلان جبران عواجي ونادر الرشيدي في الاشتباك الذكي والشجاع والخاطف مع الإرهابيين طايع الصيعري وطلال الصاعدي، وانتهى موقف المعركة الساخنة الذي احتدم دقيقتين ورصدته كاميرا إحدى الهاويات من نافذة منزل قريب من الحدث بتوثيق إعلامي متميز بمقتل الإرهابيين في ساحة المعركة على مفترق طرق داخل حي الياسمين المكتظ بالسكان.
ولنعد إلى السؤال الذي يثيره عنوان المقال: ألم تحن ساعة يقظة وعودة وعي مفقود إلى عقول هؤلاء وأمثالهم ممن سلك طريقهم والتي ران عليها الجهل والانغلاق والعمى والضلال فيعودوا إلى جادة الصواب ويعلنوا براءتهم مما تلوثت به أفئدتهم من خزعبلات فكر التكفير وموروثات منهج الخوارج وأحلام الشعور الذاتي الغبي بالتطهر مقابل النظرة الجاهلة إلى المجتمع بمن فيه من قادة وعلماء ومفكرين وأصحاب رأي بأنهم خارجون عن الملة يجب قتالهم!
لقد بدأ هذا النهج من الفكر المخرِّب مطلع 1400هـ يستقطب ضحاياه بتزيين دعاواه ببريق مزين بتفاسير منحرفة ذات هوى لنصوص دينية تُجتزأ من سياقها العام وتُوظف في غير زمانها ولا مكانها توظيفاً يخدم غاية أزلام الفكر الخوارجي السقيم الذي استغل مقولاته أعداء الأمة وجعلوها منهجاً للمحتقنين والمنهزمين واليائسين ولمن لم يجد له غاية واضحة في الحياة ولا هدفاً شريفاً يسعى إليه؛ لتقدم له بضاعة الخروج والتمرد واحتراب الأهل والأوطان تحت راية دينية محرفة عن نهج الدين الصحيح ومفهومه القويم للحياة وإعمار الأرض والتعايش مع الديانات والثقافات الإنسانية التي كفلها وأسسها القرآن الكريم.
واليوم وقد حققت قيادتنا - وفقها الله وحماها - انتصارات متوالية منذ أن طلعت قرون شياطين فكر الخوارج قبل ثمانية وثلاثين عاماً بفتنة الحرم الشريف ألا يحق للعقلاء أن يثيروا أمام سفهاء فكر الضلال المختبئين والساكنين والمتربصين النائمين في خلاياهم هذا السؤال: ألم يئن لكم عودة إلى جادة الحق والصواب؟ ألم تصلوا بعد إلى يأس لا بد أن يتسرب إلى نفوسكم من فشل مساعيكم في التأثير على مجتمعنا تأثيراً يُوقف أو يُعطل مسيرته في الحياة وتطلُّعه إلى بناء دولة حديثة قوية راسخة الأركان عزيزة البنيان متوازنة السير واثقة الخطى في رسم خطوط نهضتها بالانطلاق من معطيات ثوابت وقيم الدين وسمات وخلق وتكوين الثقافة العربية العريقة بتمازج واعٍ وعميق وراشد مع الثقافات والحضارات الإنسانية؟!
ثم وختاماً لهذه الفضفضة الفكرية التي حرّكت شجونها توالي أخبار المداهمات الأمنية بصريح العبارة: ماذا تريدون؟! ما هي أهدافكم؟ ما مطالبكم؟! الجواب الذي لا أرى غيره: أنه لا أهداف ولا مطالب واضحة ترفعون بها أصواتكم. وتمردكم على مجتمعكم ليس إلا انسياقاً غبياً أعمى لمن يقودكم إلى الهلاك في الدنيا والخسارة في الآخرة؛ بما أرقتموه من دماء الأبرياء، وما ارتكبتموه من آثام في حق وطنكم وأهلكم.