جاسر عبدالعزيز الجاسر
في جامعة كارديف في مقاطعة ويلز بالمملكة المتحدة «بريطانيا»، حضرت محاضرة مفتوحة لأحد أساتذة الأدب الإنجليزي استمرت المحاضرة أكثر من ساعة حولها الأستاذ إلى مشاركة ممتعة للحضور وأكثرهم من طلاب وطالبات الدراسات العليا، وبعد انتهاء المحاضرة التقيت الأستاذ في نادي الكلية الذي تبين لي أنه تجاوز الثمانين عاماً، وأنه يعمل أستاذاً في الجامعة في عقد مفتوح مثل غيره من الأساتذة الإنجليز، فالجامعات البريطانية مثل غيرها من الجامعات الدولية الكبرى لا تفرط بأساتذتها بسبب تقدمهم بالعمر، إذ ترى تلك الجامعات وهي على حق بأن كل ما تقدم العمر بالأستاذ الجامعي ازداد علماً وخبرة طالما لديه القدرة وصحته تسعفه وإسهاماته العلمية تدعم مسيرته الأكاديمية، ولهذا فإنّ معظم الجامعات في العالم لا تطبق نظام التقاعد على أساتذة الجامعة والمقياس الوحيد الذي يحكم عمل الأستاذ هو سجله الأكاديمي.
نأتي هنا في جامعات المملكة العربية السعودية فنرى أن الأستاذ الجامعي السعودي يعامل مثل غيره من موظفي الخدمة المدنية ولا ينظر إليه كما يجب، كإضافة علمية وأكاديمية وأداة لتنمية المجتمع وتقدمه فما أن يصل الأستاذ الجامعي إلى 60 عاماً هجرياً وهو ما يعادل 57 عاماً ميلادياً حتى تحرم الجامعة والمجتمع من إسهاماته العلمية والأكاديمية ويحال للتقاعد، وعندها تتحول هذه الكفاءة العلمية والأكاديمية إلى «سلعة» تباع وتشترى، فما أن يحال الأستاذ الجامعي إلى التقاعد حتى يبدأ يعرض نفسه على الجامعة للتعاقد معه خمس سنوات إضافية، وهنا يعرض طلباً على مجلس القسم الذي يتضمن أشخاصاً سبق له أن درسهم، وبعضاً من الأساتذة في القسم لا يرغبون في وجوده لأسباب شخصية لا تخلو منها الطبيعة الإنسانية، وقد يوافق مجلس القسم أو يرفض ذلك وتظل كرامة الأستاذ الجامعي السعودي معلقة على مزاجية أعضاء القسم وهذا ملاحظ في كثير من حالات التعاقد مع الأكاديميين السعوديين في حين يتم التعاقد مع الأساتذة الوافدين بسهولة لمجاملة أعضاء القسم لهم لأنهم ببساطة لا ينافسونهم، وبهذا الأسلوب والطريقة تحرم الجامعات السعودية من مئات الأساتذة الذي توجه معظمهم إلى جامعات دول الخليج وخاصة قطر والكويت والإمارات فتلك الجامعات لا يهمها عمر الأستاذ الجامعي طالما أنه قادر على العطاء وسجله الأكاديمي حافل بالدراسات ونشاطه العلمي يضعه في مقدمة خيارات الجامعات التي تبحث عن الأفضل وقد كسبت الجامعات الخليجية قامات علمية وأكاديمية سعودية أصبحت ركائز أساسية في هيئات التدريس بتلك الجامعات في حين تفتح جامعاتنا أبواب الاستقدام لحملة الدكتوراه من الخارج بعد أن تبعد من يفوقونهم علماً وخدمة من الأساتذة السعوديين ممن خدموا جامعاتهم بإخلاص لم يجدوا ما يقابله من وفاء.