عبدالعزيز القاضي
تظهر بين فينة وأخرى تعليقات وشكاوى من قلة النقاد وقلة الدراسات الأدبية في مجال الشعر النبطي الذي يشهد طفرة غير مسبوقة في ظل خدمة وسائل الإعلام التقليدية والحديثة. فما صفة النقد المطلوب؟ وما صفة الناقد؟ وأي منهج نقدي يراد تطبيقه على الشعر النبطي؟
معظم الشعراء والمتذوقين يريدون كما يفهم من مطالباتهم: (النقد الانطباعي) المعتمد على الذائقة, وبعضهم يريد تطبيق مناهج النقد العربي الأصيلة, وبعضهم - وهم قلة - يتحدثون عن تطبيق مناهج نقد أجنبية.
أما النقد الانطباعي - وهو بلا شك أولى وأهم أدوات النقد - فلم ينفصل عن الشعر النبطي، بل ظل ملازما له ومسايرا ولم يفارقه لحظة واحدة, فردود أفعال المتلقين هي جوهر النقد الانطباعي, وبطبيعة الحال فإن الشعراء أنفسهم هم أبرز النقاد الانطباعيين, ولهذا ترسخ في أذهان كثير منهم أن الناقد لا بد أن يكون شاعراً ! وهذه الفكرة المتزمتة غير صحيحة بالطبع, وينفيها الواقع ويرفضها التاريخ.
أما النقد الموضوعي المؤصل على مناهج نقد عربية صرفة فقد مارسه كبار الكتاب والأدباء والمؤلفين من أمثال ابن خميس وخالد الفرج وابن جنيدل وابن عقيل, والحمدان.. وغيرهم من نقاد ومؤرخين وباحثين, كما لا يزال يمارسه كثير من الباحثين والمؤلفين ومقدمي الكتب والدواوين وكتاب الرأي في الصحف والمجلات وغيرهم.
أما المتحدثون عن نقد الشعر النبطي بمصطلحات ومناهج النقد الأجنبية فهم يتحدثون بلغة لا يفهمها متذوقو الشعر النبطي, وإن فهمها بعضهم فإنه لا يرى مناسبتها له, خصوصا أنها أثبتت فشلها عند تطبيقها على الأدب الفصيح وهو أدب عالمي!
كثير ممن قدم دراسات نقدية إعلامية حول بعض شعراء النبط لا يكاد يتجاوز الانطباعية, وكثير مما كتب من مقالات تضمنت نقدا للشعر النبطي ما هي في الحقيقة سوى استعراض لغوي وثقافي مفتعل لا رصيد له من الواقع, يرضي غرور الكاتب والشاعر معا ولا يقدم فائدة بينة للعلم والأدب.
ومن يتأمل في شكاوى بعض الشعراء من قلة النقد والنقاد يجد أن غرور الشاعر في الغالب هو الذي يحركه في هذا الاتجاه, فهو - بوعي أو بدونه - لا يريد سوى مدح قدراته, وإظهار مزايا قصائده فقط وإن زعم غير ذلك, أما إبراز أوجه القصور فيها فمرفوض عنده, وإن قبله البعض منهم قبله على مضض, وهذه فطرة بشرية.
ولذلك، فإن النقد الموضوعي يرفضه معظم الشعراء لهذا السبب, ولأنهم أيضا يرون أنفسهم فوق النقاد وأكثر منهم معرفة بأسرار الشعر, وقد حفظ التاريخ قديما وحديثا - ولا يزال يحفظ - صورا متعددة لهذا الرفض, وهذه من أبرز عيوب النقد الانطباعي, وإذا تخلى الشعراء عن هذه الفكرة الإقصائية, وأدركوا أن الشعر ليس انطباعا إيجابيا أو سلبيا فقط وإنما هو بناء إبداعي متكامل له علاقة بمجالات أخرى غير الأدب, عندها يمكن الحديث عن النقد والناقد.
ربع كلمة:
خذ ما تراه وخل عنك التفاكير!