ناصر الصِرامي
سحبتُ هاتفي المتحرك لإسكات المنبه بلمسة سريعة. أول شيء يمكن أن تسجله شركة أبل عنى متى استيقظت؟ وهل احتجت إلى غفوة قبل أن أنهض من سريري ليوم جديد. من هنا يبدأ تدوين سلوكنا اليومي في أدق تفاصيله..
معظمنا يتصفح هاتفه قبل أن ينهض من سريره، وقبل أن يفعل أي شيء؛ ليعرف هل حدث شيء جديد مريع في العالم خلال ساعات نومنا وأحلامنا. لكن ما يهم الشركات هو تحديد أول وأكثر التطبيقات والخدمات والمواقع التي تبدأ بها يومك.
فقد يأخذنا وقت ليس بالقصير ونحن نمر سريعًا على (الواتساب)، أو الرسائل، وقد يتطور إلى أن يصحبنا الهاتف إلى بيت الخلاء والراحة.. وهو أمر قد يحدث طوال اليوم في سلسلة عاداتنا الجديدة. قد نجدها غير حميدة، لكن يصعب تغيرها!
الوقت الفاصل يأتي تحت زخات ماء حمام الصباح المنعشة، لكن حتى نعمة هذه العزلة الوحيدة والإجبارية لن تدوم طويلاً؛ إذ تعمل شركات الآن على توفير هواتف، تعمل تحت الماء عمليًّا بشكل أكثر!
وأنت تقود سيارتك ذاهبًا لموعد لا غنى لك عن الخرائط الإلكترونية اليوم التي ترشدك بأقصر الطرق وأقلها ازدحامًا لعملك أو مدرستك أو موعدك التالي، حتى ولو كنت واثقًا من خط سير الوجهة. هذه الخرائط الإرشادية تفضح خط سيرك وعاداتك، وحتى اختلاسك للنظر لشبكات التواصل والرسائل.. رغم محاولتك عدم الاستجابة لهذا لإغراء وهذا الاستخدام الخطر.. لكنها عادات البشر التي تدمن ما يصادف الهوى، مهما كان خطيرًا.
ولمن لا تناسبه كاميرات المراقبة، بما فيها ساهر، تصور لو توصلت شركات السيارات وتطبيقات الخرائط والدول للاتفاق على مراقبة السرعة عبر هذه التطبيقات، وإرسال المخالفات منها.. خبر محزن، لكنه آمن ربما!
وحيثما تكون على مكتبك - مثلاً - تتصفح بريدك الإلكتروني، أو في محركات البحث تقلب المعلومات، وتتصفح ما تريد، أو تتصفح موقعًا بعينه مهما كانت لغته ومحتواه.. أو تحمّل تطبيقًا وتستخدمه، دائمًا هناك رصد دقيق لأهوائك ورغباتك واهتماماتك وهواياتك.. حتى مجموعاتك المفضلة والخاصة، أو طلبك لنوع الطعام المفضل لديك، أو سيارة الأجرة، أو الحجز للسفر ومكان الإقامة.
كل ذلك يسجَّل في ألواح إلكترونية، لا تغادر صغيرة ولا كبيرة من سلوكك إلا أحصتها؛ لتجمع ملايين المعلومات في دقيقة وتحللها، وتصنفها عن كل شخص نشط وفعّال مهما كانت ثقافته ولغته وجنسيته، وكلها قابلة للبيع.. للمعلن أو للدول القادرة على الدفع!
أصبحت سلعة معلوماتية ثمينة.. كل المعلومات عنك مكشوفة.. أنت في عالم عارٍ تمامًا من الخصوصية، لكن هذا أيضًا جزء من إثارته.. أنت (عاري) تمامًا مهما حاولت إغلاق الأبواب والنوافذ والستائر والإضاءة.. لكن لا يهم.. so what..!