حمّاد السالمي
«ورد كثير من التعليقات والإضاءات في قنوات التواصل على مقالي المعنون: (هُويّات المدن.. الطائف مثالًا)، الذي نشر هنا يوم الأحد الفارط (http://www.al-jazirah.com/2017/20170122/ar2.htm ).
واحد من هذه التعليقات؛ حمل توقيع متخصص وخبير في شأن التخطيط المدني والعمراني، وقيادي سابق في وكالة وزارة البلديات، ثم رئيسًا سابقًا لبلدية الطائف.. إنه الصديق الدكتور عمر بن عوض المشعبي. ولأهمية ما ورد في هذا التعليق؛ فإني أتنازل عن مساحة مقالي اليوم؛ لصالح عرض ما ورد في هذا التعليق المهم في بابه.
قال الدكتور المشعبي: من أجل السياسات العمرانية للتنمية المستدامة لجميع مناطق ومدن المملكة؛ استقطبت وزارة الشؤون البلدية والقروية قبل نيف وثلاثين عامًا عدداً من الكوادر العلمية الوطنية المتخصصة في علوم العمران من جامعة الملك سعود بالرياض، لتتولى إدارة وكالة الوزارة لتخطيط المدن. وبعد دراسة وضع المدن السعودية من قبل هذا الفريق، وُجد أن واقعًا عمرانيًا خطيرًا يقع في المملكة. وتتلخص أهم سماته فيما يلي:
أولاً: أن هناك ثلاث مدن تستحوذ على أكثر من (80%) من جميع الأنشطة السكانية والاقتصادية والاجتماعية والمشاريع الكبرى. وتوزع الـ (20%) الباقية على باقي المدن والقرى في المملكة. هذه المدن هي: (الرياض، وجدة، وحاضرة الدمام). فلا يقام نشاط تجاري إلا في إحداها، ولا تُنشأ مؤسسة تعليمية كبرى إلا فيها، ولا تُبنى مدن صناعية إلا في أطرافها، ولا، ولا، ولا..
ثانيًا: أن أحجام هذه المدن؛ تتضخم وتتوسع بشكل عشوائي. فلو أخذنا مدينة الرياض كمثال، لوجدنا أن العمران انتشر بها حتى تعدى الأربعين كيلومترًا من جميع الجهات، مع وجود أراض بيضاء كبيرة داخل المدينة لم تستغل. مما زاد في العبء المالي لتمديد المرافق، كالكهرباء، والماء، والصرف الصحي، وغيرها لكل السكان. ولصعوبة تقديم الخدمات، كالمدارس، والمراكز الصحية، لسكان مشتتين في كل مكان. هذا التمدد السرطاني ساعد أيضاً على هجر الناس المدن الأخرى والقرى، ليعيشوا في إحدى هذه المدن الثلاث، لأن الوسائل المعيشية والتعليمية المختلفة، لا توجد إلا فيها.
هذا الوضع، كان يتفاقم يوماً بعد يوم. فأنهت الوكالة بصورة عاجلة دراسات مرحلية للنطاق العمراني لكل المدن للحد من هذا النمو، ووضعت اشتراطات لكل مرحلة من المراحل. هذا العلاج المبدئي السريع، تبعه دراسة متعمقة، شارك فيها عدد من الكوادر التعليمية المتخصصة من جميع جامعات المملكة، ومن خبراء يتبعون البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. هذه الدراسة هي: (الإستراتيجية العمرانية الوطنية). وتهدف إلى توجيه التنمية العمرانية المكانية على كامل رقعة المملكة، عن طريق محاور تنمية رئيسة وثانوية مدروسة، تهدف إلى التنمية المتوازنة والمستدامة لجميع مناطق المملكة. ثم أعدت الوكالة إستراتيجيات لتنمية مختلف مناطق المملكة، مبنية على موجهات الإستراتيجية العمرانية الوطنية، وتحقيقًا للهدف الرئيس وهو: التنمية المتوازنة والمستدامة. وترجمت هذه الإستراتيجيات إلى مخططات إقليمية تفصيلية، حددت وبصفة مختصرة قاعدة تنموية: ( اقتصادية- اجتماعية ) لكل المدن المتوسطة والصغيرة بالمملكة. وأوصت بأن تُوجَّه كل الأنشطة والمشاريع؛ نحو تحقيق متطلبات هذه القاعدة. ولو أخذنا الطائف كمثال؛ فإن قاعدته التنموية تعتمد على السياحة والزراعة المساندة للسياحة. وفي الطائف إمكانات سياحية هائلة، تفوق كل المدن السياحية في الجزيرة العربية لو استغلت بشكل فعال. ولو دُعمت الزراعة كما يجب أن تدعم بالمحافظة عليها أولًا، ومساعدة المزارعين بما يعينهم على الفوز بمواسم مثمرة. لأنها مصدر دخل لكل القرى المحيطة بالطائف، وللطائف عمومًا، لارتباط موسمها الرئيس بموسم الصيف. بعد ذلك، قامت الوكالة بإعداد دراسة تسمى: [أولويات التنمية]. وهي تهدف إلى التوزيع الأمثل للمرافق والخدمات داخل المدن. هذا التوزيع، مبني على عدة أسس سكانية وتكاملية وتأثيرية وغيرها. أعددت هذه الدراسة عندما كنت في الوزارة، وطبقتها في الطائف كأول مدينة تتبناها عندما عُينت رئيسًا لبلديتها، وعرضتها على الأمير ماجد - رحمه الله - الذي سُرّ بها، وأمر بتطبيقها. والتطبيق يعتمد على تبني كل الدوائر الحكومية لمخرجاتها، لأن كل دائرة لها ميزانيتها المستقلة. نجحنا مع وزارة المواصلات بعد زيارة الوزير الدكتور ناصر السلوم للطائف، وشرحت له ما نقوم به من أعمال، وكنت على صداقة معه عندما كنت أمثل الوزارة في اجتماعات المواصلات، فقال أمام محافظ الطائف أوان ذاك الأستاذ فهد بن عبد العزيز بن معمر - وكنا في جولةلى طرق الطائف، واشتكى له المحافظ من عدم تعاون فرع مواصلات الطائف أو الغربية مع المحافظة - قال له: اعتبر أن ناصر السلوم هو الدكتور عمر، وما يقوله ينفذ. واتصل حينها بوكيل الوزارة بالرياض، وأبلغه أمامنا أنه عينني مسؤولاً عن مشاريع المواصلات بالطائف، وما أطلبه ينفذ بدون تردد. نتج عن هذا التوجيه، أن استطعنا تنفيذ طريق وادي محرم، وبعض الطرق الريفية بالتعاون مع وزارة المواصلات. نعم.. اعتُمدت الإستراتيجية، ولكن تنفيذها يعتمد على مؤسسات حكومية عدة، تأخذها بعين الاعتبار في خططها. وقطاع خاص يؤمن بها أولاً، فيتبناها، ثم يسعى لتحقيقها. ولكن الحل الوحيد المتاح الآن، هو إنشاء هيئات تطويرية على مستوى جميع المناطق، تتمثل بجميع المؤسسات الحكومية المختصة، فتناقش جميع الأمور، ثم تتخذ قرارات إلزامية على الجميع، على غرار الهيئة العليا لتطوير الرياض. غير ذلك؛ هو مضيعة للجهد والوقت. فلا تنمية مستدامة، ولا نمو شامل.
شكرًا د عمر.. معلومات مهمة حقيقة. تبقى مسألة (الهُويّة) التي تميز كل مدينة في بلادنا وفق معطياتها: تاريخية كانت؛ أو جغرافية، وثقافية، وزراعية، وسياحية، وصناعية، وغيرها. المظاهر العمرانية والتخطيطية لهذه المدن اليوم، يجعلها منسلخة من ماضيها، ومتنصلة من واقعها، وتتشابه لدرجة مملّة. فلا فرق بين مدينة تاريخية وأخرى حديثة، ولا بين جبلية وأخرى صحراوية، ولا بين بحرية وزراعية.
من يعلق جرس (هُويّات المدن).