سلمان بن محمد العُمري
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تلقيت عقب صلاة العصر ليوم السبت الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر مكالمة هاتفية من أخي الشيخ عبدالمجيد يخبرني عن وفاة الوالد العم الشيخ عمر بن سليمان بن محمد العُمري -رحمه الله- الذي كان قبل الصلاة يطمئنني عنه بعد أن زاره قبل قليل في العناية المركزة؛ ومع هول الفاجعة وكبر المصيبة لم أتذكر إلا ما أمرنا به ربنا عزوجل فقلت: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} وتوجهت فوراً للمستشفى، وفي الطريق سرحت بي الذكريات الجميلة والصفات الحميدة التي كان يتحلى بها العم عمر -رحمه الله- ومكارم الأخلاق من صلة للرحم والوفاء والأمانة والصدق وحسن التعامل مع الناس ومحبته للخير.
لقد توقف القلب التقي النقي الذي وسع الناس حباً وخلقا، وهو ما عرف عنه من رحمة وخير وإيثار وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، لقد مات من كان بالأمس مع الناس يشاركهم أفراحهم وأحزانهم ويواسيهم في محنهم ها هم اليوم يودعونه وعليهم بالغ الأسى والأثر برحيله فهم محزونون لفراقه.
كانت مسيرة العم (أبو أحمد) -رحمه الله- في حياته العملية حافلة بالأمانة والإخلاص والتضحية، بدأ حياته العملية في العمل ضمن الطاقم الأول في أول مدرسة رسمية تفتتح بمدينة الرياض في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله - «المدرسة التذكارية» وهي المدرسة التي تم افتتاحها بمناسبة عودة الملك عبدالعزيز من زيارته لمصر التي قرر الأهالي إقامة احتفال خاص بمناسبة عودته وتم جمع مبلغ مالي لهذا الغرض، وحينما عرضوا الأمر على الملك عبدالعزيز رأى أن يتم تحويل المبلغ لمشروع خيري فتم العمل بالتوجيه وتبنى مقترح فتح أول مدرسة وكان مديرها الأول الشيخ عبدالله بن إبراهيم السليم -رحمه الله- (من أهالي بريدة).
عمل العم عمر العُمري -رحمه الله- فترة من الزمن في مجال التعليم ثم حول مساره الوظيفي إلى عمل آخر لا يقل أهمية عن التعليم ألا وهو العمل في الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بداية تكليف الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ -رحمه الله- وبقي في هذا العمل في الهيئات حتى بلوغه السن النظامية للتقاعد، ومع هذا فقد كان حريصاً على التواصل مع زملائه السابقين في العمل فيزورهم في أول الأيام عقب كل عيد ويتواصل معهم ويعود مريضهم ويشاركهم في الأفراح والأتراح.
إنني اعترف بالتقصير والعجز عن إيراد ما أعرفه عن العم وما سمعت عنه من ذكر طيب فلا أدري ماذا أكتب؟ وماذا أترك من سيرته الحسنة؟.. لقد فقدت أباً ومعلماً وليس عماً فحسب فقد بذل وقته وجهده بعد وفاة والدي -رحمه الله- في المتابعة والرعاية والقيام على بعض شؤوننا وكان كثير السؤال ويوجه وينصح برفق ولين وكلمات تشجيعيه طيبة، حيث كان من فضل الله عز وجل علينا أن قام هذا العم المبارك بتولي بعض الأمور بحرص ودقة واهتمام، ورغبة في أن نحوز الكمالات في جميع أمورنا، ومن حقه علينا أن نشيد بما قدم لنا خاصة ولأسرته بوجه عام عرفاناً وتقديراً لما بذله وأجره على الله، لقد كان همه أن يعمل الخير للغير والبر والإحسان ولم ينتظر من أحد جزاءً ولا شكوراً، ومن حسن قوله وطيب عمله تعلم منه الجميع الشمائل الحسنة والخلق الكريم، وكان من أبرز أعماله لأسرته أن أسهم -رحمه الله-مع رفيق الدرب العم الشيخ إبراهيم المحمد العُمري، والعم الشيخ يوسف السليمان العُمري ومجموعة من رجال الأسرة في تأسيس صندوق الأسرة الخيري قبل ما يزيد على ثلاثين عاماً، وكان من حرصه على فعل الخير قيامه بإيصال المستحقات للمستحقين بنفسه في نفس اليوم ولايتوانى ولا يتأخر وهو يردد قائلاً: (خير البر عاجله).
وهذا دأبه -رحمه الله - فهو وجه من وجوه الخير والإحسان في أسرته، ويقضي حاجات الناس وفياً لأصدقائه وجيرانه طيب المعشر متهلل الوجه باسم الثغر، ولست بصدد تعداد محاسن الفقيد فهي كثيرة، وذكرت أنني عاجز عن حصرها وذكرها في هذه العجالة.
لقد تميز -رحمه الله- بالتواضع الجم، والسمت الكبير، قليل الحديث في المجالس إلا بما ينفع لا يذكر أحداً بسوء، ولذلك كثر محبوه وقل شانئوه ولا أدل على ذلك من كثرة المشيعين له إلى المقبرة والمعزين فيه ويعضد ما ذكرت عنه شهادة الناس فيه، وما أورده الآن هو منهج وسنة نبوية في ذكر محاسن الموتى، ومعلوم قصة الجنازة التي مروا بها فأثنوا عليها خيراً فقال النبي: (وجبت) ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال (وجبت) فقال عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: ما وجبت؟ قال: (هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار؛ أنتم شهداء اللَّه في الأرض) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
كان مشهوداً له بالصلاح والتقوى والالتزام ففي سنوات طويلة مضت وقبل تعبه كان يقضي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك في مكة المكرمة، ولا يعود إلا بعد أداء صلاة العيد في المسجد الحرام، وفي اجتماعات الأسرة الدورية، وفي الرحلات والسفر كان هو المقدم للصلاة بالجماعة إماماً.
كان -رحمه الله- محباً للعلم يحث الجميع على التعليم، وأنعكس ذلك على أبنائه فحصلوا على الشهادات العليا من جامعات المملكة. ومن جامعات الخارج وفي تخصصات عديدة ويوجه دائماً على الجد والمثابرة، وعدم التكاسل والتراخي في طلب العلا، وتواصله الاجتماعي مشهود له بالخير فهو السباق ولا أذكر أنه تخلف عن تلبية الدعوات يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم لين الجانب صادقاً في كلامه وأفعاله محباً لأسرته وأصدقائه ومعارفه فحظي بمحبة الجميع، وهو من أهل الوفاء والإنسانية وله في هذا الاتجاه يد طولى مع الأيتام والفقراء وذوي الحاجة فهو من الساعين في قضاء حوائجهم والشفاعة لهم، وكان مشجعاً ومحفزاً على التواصل وصلة الأرحام مع الصغير والكبير، والغني والفقير، لقد كان مما يسلي النفس ويطيب الخاطر ويواسينا بعد رحيل الفقيد أن سمعنا عنه الكثير مما نعلمه ومما خفي علينا من أصحاب وأحباب وأهل، وذكرهم له بالخير والترحم عليه والدعاء له.. وأشيد بهذه الالتفاتة بما قدمه ولاة الأمر -حفظهم الله- من اهتمام بحالته الصحية خلال مرضه الأخير فقد كان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية -حفظه الله ورعاه- قد أصدر توجيهه لعلاجه في مدينة الأمير سلطان الطبية يوم الخميس 21-4-1438هـ ولكن القدر وافاه يوم السبت 23-4-1438هـ تم برقيات العزاء والمواساة من الجميع والتشييع والدفن والعزاء.
ونعزّي أنفسنا وأبناء العمومة والأسرة العُمرية بفقد والدنا الغالي، وأسأل الله أن يتغمده ووالدي وموتانا وموتى المسلمين بواسع رحمته.