منذ تأسيس هذه البلاد على يد المغفور له - بإذن الله - الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - وحتى هذا العهد الزاهر عهد الخير والنماء بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - كان ولا يزال الاهتمام بشباب الوطن وطموحاتهم جوهر أولويات القيادة الرشيدة، كونهم الركيزة الأساسية في التنمية، والطاقة المتجددة في مسيرة العمل والإنجاز والمحرك الدائم للابتكار والإبداع والتطوير، متسلحين في ذلك بسلاح الإيمان والعلم وحب الوطن واستشعار شرف الانتماء له، حيث أولت قيادة هذه البلاد المباركة هؤلاء الشباب جُل رعايتها وحرصت على تأهيلهم لتحمُّل المسؤولية، ووفرت لهم كل الفرص المناسبة للمشاركة في اتخاذ القرارات وتمكينهم من ممارسة أدوار قيادية في مسيرة التنمية والتطوير، عبر ضخ الدماء الشابة في شرايين الاقتصاد الوطني ومشروعاته التنموية، والاعتماد على سواعدهم الفتية للمشاركة في عملية التنمية، وهو ما تجلى بوضوح في رؤية 2030م والتي يتحمَّل الشباب الجزء الأكبر من مسؤولية تحقيق أهدافها والاستفادة من ثمارها بمشيئة الله تعالى.
إلا أنه في المقابل نجد بعض الممارسات والسلوكيات المرفوضة والدخيلة على المجتمع السعودي التي ابتدعتها قلة قليلة محسوبة للأسف على شباب هذا الوطن، حيث تفاجأنا في الأيام القليلة الماضية ببروز ظاهرة غريبة لا يمكن بحال من الأحول أن تعمم على الشريحة الكبرى من الشباب، ومن هذه التصرفات الدخيلة وغير المقبولة ما نراه من حين لآخر عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، من أفعال تتنافى وآداب الإسلام وتقاليد المجتمع، وهي تصرفات مستنكرة ومرفوضة بالطبع، ولا يمكن تبريرها أو قبولها تحت أي ذريعة، إلا أنه من المستغرب حقاً هو محاولة تعميم مثل هذه السلوكيات المرفوضة على كل شباب المملكة، ومحاولة تصويره بأنه شباب عابث وغير مسؤول، وهو أمر يخالف الحقيقة الناصعة التي نشاهدها كل يوم من خلال شباب يجمعون بين دماثة الخلق والسعي الدؤوب للنجاح والمساهمة في رفعة وطنهم، ويقدمون صورة حقيقية مشرفة لشباب المملكة لا يمكن أن تنال منها تصرفات قلة انحرفت عن جادة الصواب وانشغلت بتوافه الأمور أو بحثت عن شهرة زائفة عبر الخروج على تقاليد المجتمع الراسخة.. وأينما توجه البصر سوف نجد نماذج مشرفة من شباب المملكة في القطاع الحكومي أو الخاص يحققون نجاحات كبيرة، ويستفيدون في ذلك من الرعاية الكبيرة التي توليها القيادة الرشيدة للشباب والتي تتجلى في كثير من الأمور لعل أبرزها برامج الابتعاث للدراسة في أعرق الجامعات وبرامج استثمار طاقات الشباب في أنشطة رياضية وثقافية واجتماعية، فضلاً عن برامج التدريب والتأهيل لتنمية مهارات الشباب للانخراط في سوق العمل، وتجهيزهم للمشاركة الفاعلة في تحقيق رؤية المملكة 2030م، وبرامج التحول والوطني والتي تعتمد بالأساس على سواعد الشباب من أجل مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً، وهنا يجب أن نشيد بالدور الفاعل الذي تقوم به وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في الاهتمام بالشباب ووضعهم على رأس أولويات الوزارة من خلال سياسات ناجحة للتدريب والتأهيل واستقطابهم للعمل في القطاع الخاص من خلال شراكات مميزة مع أكبر المؤسسات العالمية في هذه المجال، مثل شركة هواوي وغيرها بهدف تطوير صناعات التكنولوجيا وهي السياسات التي أثمرت عن تولي الشباب مسؤولية قطاع مهم وحيوي مثل قطاع الاتصالات والذي تم سعودته بالكامل خلال شهور قليلة، ووفرت الوزارة من خلاله آلاف فرص العمل للشباب، إلى جانب تبني الوزارة تشكيل فريق لمراجعة توطينقطاع التجزئة بالكامل بالتعاون مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وبرامج صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف» ومراكز التوظيف «طاقات» وبرامج التوطين الموجه، إلى جانب تطوير برنامج نطاقات والذي أسهم بفاعلية في توطين كثير من الوظائف بالقطاع الخاص، كما أننا متأكدون بما سيقوم به معالي الوزير د.علي الغفيص والذي يحمل الخبرة الكبيرة في مجال تدريب وتوظيف الشباب وبخاصة في المجالات المهنية والتي لا يزال سوق العمل في حاجة لها.
وفي ذات الاتجاه يجب التوقف بالكثير من الإشادة والتقدير عند الدور الكبير الذي تقوم به مؤسسة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز «مسك» في مجال تشجيع التعليم وتنمية مهارات القيادة لدى الشباب للإفادة من طاقاتهم وإبداعاتهم في رفد مسيرة التنمية الوطنية في جميع المجالات، وذلك بالتعاون مع أكبر الشركات العالمية مثل شركة «سيسكو» لتمكين الشباب في التحول الرقمي للاقتصاد بما يُعد إسهاماً فاعلاً لهذه المؤسسة الخيرية الرائدة في تطوير مهارات شباب الوطن لتولي المسؤولية في المستقبل القريب.
ويبقى أن تستلهم بقية مؤسسات المجتمع جهود «مسك» وإسهامات وزارة العمل من أجل احتواء الشباب واستثمار طاقاتهم بما يعود بالخير على بلادنا المباركة.
ولا شك أن مثل هذه السياسات هي السبيل الأمثل للحفاظ على الشباب من مخاطر الانحراف الفكري والسلوكي الناجم عن الفراغ وعدم وضوح الهدف.
وصدق الشاعر العربي إذ يقول:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة.
- أستاذ الإعلام والاتصال الجماهيري بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية