د. عبدالواحد الحميد
وأنت تلقي نظرة من نافذة الطائرة المتوجهة إلى مطار دبي الدولي لا ترى سوى كثبان الرمال الصفراء الممتدة إلى ما لا نهاية، ثم فجأة تبزغ ناطحات السحاب الشاهقة ويتبدى لك منظر المدينة الجميلة الذي يشبه لوحة أبدعتها ريشة رسام عبقري.
وأنت تعبر هذه الصحاري الواسعة وتنتهي إلى مدينة ناهضة ومزدهرة وجميلة تعج بالحياة والإبداع تذهلك المفارقة، فكم من مدينة في مشارق الأرض ومغاربها حباها الله بالخضرة والأنهار وجمال الطبيعة وثرائها وكل مقومات التقدم والنمو لكنها لم تستفد منها، بينما استطاعت دبي رغم بيئتها الصحراوية القاحلة أن تحرز كل هذا التقدم الذي يتجلى في كل جانب من جوانب الحياة في هذه المدينة العجيبة.
ليس هو النفط، فالنفط موجودٌ في معظم بلدان الجزيرة العربية وموجود أيضاً في البلدان العربية التي لم تستفد منه على الإطلاق مثل العراق وليبيا بل كان وبالاً عليها بسبب السياسات الخرقاء التي تورطت قياداتها فيها.
في الأسبوع الماضي كنتُ في دبي، وكما يحدث في كل مرة وجدت نفسي أقارن بينها وبين غيرها، ما لها وما عليها، وكيف حققت كل هذه الإنجازات الهائلة في لمح البصر؟ مدينة نظيفة جداً، وحضارية، وحداثية، وذكية تعمل مثل آلة دقيقة الصنع، ولا تنتمي لتقاليد كبريات المدن العربية التي يخنقها زحام الفوضى المرورية البدائية الصاخبة والتلوث وركام المخلفات الملقاة في الشوارع والميادين. هذه المدن التي فتك بها الفساد والبيروقراطية والتخطيط المركزي القاتل.
دبي مدينة مذهلة حقاً، وهي المدينة التي أدرجتها مجلة فوربس العالمية الشهيرة مؤخراً ضمن أجمل وأفضل المقاصد السياحية في العالم خلال العام الحالي 2017 وقالت إن دبي «تعيد كتابة التاريخ كل يوم بعد أن أصبحت الآن رمزاً بصرياً عالمياً للرواية الإنسانية عن التحضر والتطور».
كل هذا رائع وجميل، لكن السؤال الحائر الذي يترك في النفس غصة هو لماذا لا تقع العين إلا على القليل من أهل البلد في هذه المدينة الجميلة؟ لماذا لا نجد إلا القليل منهم ليس فقط في المؤسسات والإدارات وإنما أيضاً في الشوارع والأسواق والأماكن العامة؟ وما هو أثر كل ذلك في المستقبل القريب والبعيد وخصوصاً ما يتعلق بالهوية الوطنية وبالاستقرار؟
مبادرات إمارة دبي في شتى المجالات إبداعية وريادية، ولكن لابد من الانتباه جيداً إلى التغير الديموغرافي الهائل وما يمكن أن ينجم عنه بمرور الزمن. صحيح أن جميع بلدان مجلس التعاون الخليجي تعاني من هذا التغير الديموغرافي غير المتوازن وغير الصحي بفعل الاستقدام المفرط للعمالة الأجنبية لكن حالة دبي تكاد تكون فريدة وتطرح الكثير من الأسئلة الحائرة.