سعيد الدحية الزهراني
قبل أيام فاجأتني رفيف.. ابنة قلبي وفاتحة الروح الأولى.. برسالة كتبتها إلى جدها والدي ـ متعني الله بصحته وعافيه وسلامته ـ قالت: «كم أنت عظيم يا جدي حين فقدت حنان الأم، ولكنك أصبحت معلماً، وصنعت أسرة جميلة».. هذه الجملة سكنت في أعماق وجداني.. وجعلتني أشعر بخجل كبير حين لم أفكر من قبل في تدوين سيرة هذا اليتيم الذي أصبح بالفعل رغم قسوة المرحلة، جوعاً ويتماً وجهلاً، رجلاً عظيماً، أستنير بظله، وأسير بضيائه..
حياة كل منا مشروع كتابة.. يتأكد هذا لدى أصحاب التجارب الفارقة بظروفها ومحطاتها ومنجزها.. والأستاذ أحمد بن سعيد الدحية الزهراني أحد رواد بيئته، الذي شكّل مع قلة من مجايليه ملامح التنوير فيها قبل ما يزيد على 60 عاماً مضت؛ إذ كان ـ مد الله في عمره ـ ضمن أول دفعة تتخرج للتدريس في نطاق قرى وادي الصدر بقطاع المندق بمنطقة الباحة..
يروي والدي قصة سفره إلى الرياض بعد تخرجه وتدريسه لأكثر من سنة دون أن يصرف راتبه الشهري بحجة صغر عمره عن السن القانونية، وكيف تهيأ له تجاوز هذه المشكلة بإضافة سنوات إلى عمره الورقي.. كان هذا بعد حصوله على ما يعادل الكفاءة المتوسطة بقرية الأطاولة، وهناك تزامل مع المؤرخ الأستاذ علي بن سدران الزهراني؛ ليلتحق بعدها بسنوات بما كان يسمى «المركز»، كان حينها د. سعيد أبو عالي مديراً له.. ثم انتظم بعد مدة لدراسة الكلية المتوسطة بالطائف، وما بين هذه المراحل، تنقل من معلم إلى وكيل إلى مدير مدرسة في عدد من مدارس المنطقة.. بطبيعة الحال، لم يسعفه العمر لإكمال دراساته العليا التي لم يكن بحاجة إليها فعلياً..
يحدث هذا وجد رفيف - يحفظه الله - يتيم فقد أمه وهو لم يكمل السادسة من عمره.. ليعاني الجوع ومسؤوليات متطلبات الزراعة والرعي، ومطالب بمراقبة الحقوق والقيام بالواجبات الاجتماعية وما لا ينتهي من عناء يمتد ولا ينتهي.. رغم هذا كان - ولا يزال - قارئاً نهماً، ولديه مكتبة، نهل منها عدد من حَمَلة حرف الدال ومثقفي دائرته الاجتماعية.. بل كان - ولا يزال - فناناً تشكيلياً، يحتفظ بعدد من أعماله إلى اليوم.. فضلاً عن متحفه الصغير الذي يضم أدوات بيئته ومراحلها، وعدداً من الشخصيات التي عايشها..
إن لم أكتب ما تستحق والدي العزيز.. فأرجو أن تفعل حفيدتك رفيف التي أخذت عنك جينة المعرفة وحب القراءة..