نادية السالمي
«كل فتاة بأبيها معجبة» هذا ما قالته العرب بصيغة التعميم. ولا أظن العرب أجحفت في تعميمها، ولا أظن بنات العرب اعترضن في حينها.. فما الذي بدل الإعجاب بنفور، وما الذي غذى القلب بغير الحب؛ ففر إلى غير رجعة؟!
كانت أمورنا في العاطفة تسير على ما يرام لولا أن ما يرام ضيع طريقه حين انتصر مفهوم المثل الشعبي «هم البنات للممات» على مفهوم المثل «اللي ما عنده بنيّة يموت وعلاته خفية»؛ فنشأت فجوة هائلة خلطت الأمور بجهل؛ فتعقدت الحياة والعاطفة؛ فكان الهروب منجاة!
وهذه ليست إجابة عن السؤال؛ هذا هو التمهيد.
وللإجابة عن هم هذا السؤال الثقيل أستبعد علماء النفس والاجتماع؛ فقالوا ما يكفي؛ وسأكتفي بتسليط الضوء على الأدباء والمفكرين من أهل العاطفة الذين قدسوا المشاعر، وجعلوها تسير بمحاذاة العقل، وعلى رأسهم نبي هذه الأمة القائل قبل رحيله «استوصوا بالنساء خيرًا».. ورِقّته مع المرأة أيًّا كانت بنتًا أو زوجة أو جارة يعرفها كل من تناسوا ما قيل في الوصية، وأحيلهم إلى إعادة قراءة سيرته - عليه الصلاة والسلام - لعل عاطفتهم تسقيم من اعوجاجها. ثم بالأديب «حمزة شحاتة»؛ فبحنان الأب ودقة رسم اللفظ كتب لابنته: «سلامتك هي سلاحك في معركة الحياة؛ فاحرصي عليها ضد كل المؤثرات العابرة.. كل شيء يعبر ويفوت».
فلا غرو إن كانت بنت حمزة شحاتة معجبة بأبيها صاحب هذا القلب الذي بالقوة زودها، وبالمواجهة حثها؛ لتقابل الحياة ومن فيها بتحدٍّ. وفكرة الهروب لن تخطر على بال بنت أبوها بهذه الرحمة عليها، والثقة فيها.. ومن لها أب يحمل هذه المشاعر لن تتركه وراءها مكسورًا، لا يدري أي أرض ابتلعتها، لا من أجل الجهاد المدعى في سبيل الله، ولا من أجل الحب المفترض في سبيل الزواج، ولا لصنع بطولات وهمية في عالم يدعي كذبًا أن الحرية باب مشرع للهاربين من حياة قديمة لبلوغ حياة جديدة بأسماء وطريقة عيش جديدة!
العاطفة هي مكمن السر، وهي التي يسعى البعض لتجفيفها لمآرب أقل ما يقال عنها غبية، والقسوة من نتائجها الطبيعية، والركون إلى العنف الممارس بأنماطه المختلفة الجسدي واللفظي والنفسي.. والعنف النفسي لن أقول لقلة الوعي به قد يمارس دون أن يعرف الفاعل أو يقر به؛ لأن المرء صاحب الإنسانية المزورة لا يفهم، ولا يعنيه احتياج الإنسان للكرامة في الحياة والموت على حد سواء؛ لذلك هو يمارسه على غيره ولا تعجب على نفسه أيضًا؛ فحين يحرم نفسه من العاطفة يمارس عليها العنف. والبنت إذا لم تجد الأب صورة تنبض بالعاطفة والرحمة بحثت عنها خلف أي جدار، وتحت أي ظل. والوطن الذي لا يلتفت للمرأة على أساس أنها نصفه، وتُربِّي نصفه الآخر، خسارته عظيمة.
ينصح «جيفارا» المربين فيقول: «علِّموا أولادكم أن الأنثى هي الرفيقة، هي الوطن، هي الحياة». عرف هذا الثوري ما لم يستنتج من الغارقين بجهلهم وغرورهم، فعرف أن العلاقة بالأنثى تبدأ بالاعتقاد، وما نمارسه ويراه منا الأطفال؛ فاتركوا عنكم ترهات لا يقبلها عقل، ولا يسمح بها قلب ودين، ومن السهل الانقلاب ضدها من بنات تعلمن أن السكوت لا يجلب إلا المزيد من الانكسارات، والانكسار في هذا الزمن لهن غير مسموح، والبحث عن الباب المفتوح مطلب كل إنسان لا يقر بالعبودية.
أخيرًا، في ختام هذا المقال مناسبة عظيمة، أقول فيها: شكرًا لا تعرف الهرم ولا الذبول لوالدي الطيب ما تعاقبت على قلوب الآباء الرحمة والشفقة، أكرمني بالثقة، وأحسن لي بالعاطفة، وأجزل في الرعاية، فنافس «حمزة شحاتة» دون أن يعرفه أو يقرأ له. شكرًا له على عاطفته وعلى فهمه السليم لدين كرم المرأة، وفعل دورها، ومنحها حق الاختيار.