فيصل أكرم
سألني شريكُ مستقرّي الأخير في مصر، الشاعر السوري عبد القادر الحصني: هل تعرف ناجي حرابة؟ أجبتُ: الاسم ليس بغريب، ولكني لا أتذكّره جيداً؛ وتناولت الديوان من يده.. عنوانه (عثرات الكمان) صدر مؤخراً عن ملتقى ابن المقرب بالدمام، والناشر دار أطياف، للشاعر السعودي ناجي حرابة؛ قرأتُ:
(قالَ: حتماً هنا
سوف يرسو قطارٌ
وينزل أمرُ
قلتُ: يا صاحبي
كيف يأتي قطارُ المنى
والدروبُ الطويلةُ ممتدةٌ
في الضياعِ
وذي الريحُ بوصلةٌ للعماء
ورجلاكَ مغموستان إلى الساقِ
في التيهِ
والأفقُ وعرُ؟
كيف ينسابُ من عطشٍ
في أديم صحاريكَ حبرُ؟
قالَ والدمع ينثال من صبرهِ:
لا تخفْ
دمعتي وردةٌ
والمواجيدُ عطرُ).
هكذا مقتطف واحد من قصيدة عنوانها (لا يستريح من الحلم) يجعلني أحتفي بالديوان والشاعر، احتفاء الفرِح فعلاً باطمئنانه على أن الشعر لا يزال كما يجب، حتى وإن لم أعرف أسماء كثيرة من أجيال وأقطار عربية تتقدّم بأدوات تؤهلها أن تتسم بالشعر وتنتسب إليه.. الشعر بمعناه الأصيل المكتمل لا الشعرية المجترحة المستعارة، كما ساد في عصرٍ أخير.
الشاعر ناجي حرابة، لم أعرفه شخصياً حتى اللحظة، ولم يعرفه صديقي الكبير عبد القادر الحصني برغم علاقات الأخير على امتداد عقود أربعة مع كثير من الأجيال الشعرية المعاصرة لكونه كان رئيساً لتحرير صحيفة أدبية ويتلقى كل يوم قصائد ويكتشف شعراء.. هل من الغرابة في شيء أن يصله ديوانٌ لشاعر لا يعرفه بواسطة شاعر آخر يعرفه؟ وهل من الغرابة في شيء أن يصلني الديوان منه وأنا لا أعرف الشاعر ولا الوسيط بين صديقي وبينه؟ أقول: في التسعينيات، وهي الفترة التي أعرفها كما لم أعرف فترة غيرها من مراحل الشعر العربي المعاصر، كان مثل ذلك من الأحداث الطبيعية التي تتكرر بشكل معتاد.. أما ونحن في هذه المرحلة الآنية من الاعتماد الكلّي على وسائط تقنية إلكترونية حسبتها ألغت الوساطات الطبيعية في كل الأوساط، فهذا حدثٌ يمنح البهجة ويخفف من حسرات على زمن ظننته انتهى وبعضُ النهايات آثام.
ولأن للتقنية الحديثة حسنات، فقد وضعت اسم ناجي حرابة في محرك البحث الإلكتروني فتبين لي أنه الفائز بجائزة (شاعر شباب عكاظ) عام 2010 فازدادت بهجتي وتوسّع اطمئناني ليشمل الجوائز التي تقدمها المؤسسات الرسمية باسم الشعر.. بعد أن أصاب مسمّى (جائزة) كثيرٌ من الأسباب التي لا علاقة لها بالقيمة الشعرية.. ولكن.. يبدو أن كل شيء يعود إلى أصله وطبيعته مهما تكاثرت من حوله المتغيرات الهاوية، يصعد، ويستعيد الثقة، حين يدرك أنها خياره الوحيد إذا كان مصمماً على الاستمرار.
الكلام عن الجوائز طويل ومزعج وغير منصف مهما تكن نية الكاتب صافية من كل الأغراض سوى احترام الشعر والنأي به عن كل منزلق دعائيّ أياً كانت الأسباب، وقد كتبتُ حول الجوائز الشعرية عدداً من المقالات في أزمنة مضت، كنت في بعضها أتأسف – وأسفي كثير – وفي بعضها أبتهج – والبهجة نادرة؛ وهنا ابتهجتُ كما قلتُ في بداية مقالتي هذه حدَّ الاحتفاء بشاعر استحق صفة الشاعر الشاب قبل سبع سنوات وآن لنا أن نخلّص صفته من التراتبية العمرية فهو (شاعرٌ) حقيقيّ وحسب؛ وسأحفظ اسمه جيداً كما أحفظ أسماء شعراء حقيقيين معاصرين وإن لم أعرفهم كما يجب.