د.عبدالله الغذامي
من أهم منجزات الثورة الثقافية الأوروبية منذ القرن السابع عشر هو تحقيق مستويات عالية من الفردانية وتم ربط الفردانية بالحرية ومفاهيم الرأسمالية والسوق الحرة، وتعززت النظرية الفردانية حتى صارت هي القانون الثقافي والسلوكي ويضعها المرء والمرأة كأهم سماتهما، وأي نقص فيها يعني تضييع أهم الحقوق المكتسبة، ولكن الناتج النهائي لهذا التصور أن فردانية الفرد تتصادم مع تصور آخر في أن الفرد كائن اجتماعي وهو غريزياً ميال ومحتاج أيضا لأن يكون عنصراً بنيوياً في بيئة توافقية، وهذا ما جعل فكرة الأحزاب والنقابات والجمعيات والنوادي تشيع بما أنها تحقق نوعاً من الاندماج يخفف من الفردانية المنعزلة، ولكن المشكل هنا هو أن التنظيمات هي بيئة عقلانية وليست بيئة عاطفية، ويظل المكون لها هو الانتماء النظري وليس الوجداني، ولهذا نرى في الغرب وفي أمريكا هوساً شديداً في صناعة لقاءات عائلية كبرى تحت عنوان مثير هو: إعادة التوحيد (reunion) مثلما نجد شعار القيم العائلية كواحد من أبرز الشعارات في الخطب الانتخابية في أمريكا حيث يحرص المرشح على الظهور مع أفراد عائلته ويحرص على التظاهر بالألفة والمحبة ويحرص أكثر على تغطية أي خلافات عائلية ولو ظهرت أضرت باسمه وسمعته وتفقده أصوات متابعيه. ولكن كل هذا يظل وكأنه صناعة آلية لا تمس صميم السؤال حول حاجة الفرد لأن يكون عنصراً حيوياً وعاطفياً في خلية متآلفة، وقد ظهرت تقارير تلفزيونية في أمريكا تشير إلى نسبة عالية من زواج رجال أمريكيين من نساء آسيويات، والسبب عندهم هو جو الترابط والحنان والمودة التي يجدونها عند الآسيويات، من يابانيات وفلبينيات، حسب ما ورد في ذلك التقرير، وجاء بعضهم وعلى عينيه دموع وهو يتكلم عن مقدار الحنان الذي تمنحه له زوجته الآسيوية. ويظل الإنسان كائناً عاطفياً وسيطلب الحنان حيث يجده.