محمد عادل بدر الأحمد - ألمانيا:
انتشرت القصة القصيرة جداً في صفحات الجرائد وعلى صفحات الإنترنت حتى شكلت ظاهرة جديرة بالاهتمام، لاسيما بعد صدور كتب مخصصة بهذا الجنس الذي لم يكن جديداً تماماً، ولكن العناية به في السنوات الأخيرة جعلته تحت الأضواء الكاشفة، وهذا يعود إلى الإقبال الكبير على كتابتها وقراءتها. والسبب أن حجمها المحدود يجعلها أكثر مطاوعة للكتاب - حتى المبتدئين منهم - وأكثر قبولاً للمتلقي - حتى من غير القراء المتابعين - وحجمها أيضاً ساعد في انتشارها مما جعلها من الأجناس الأكثر شيوعاً، وربما الجنس الأكثر شهرة في زمن التواصل الاجتماعي، وقد تأخذ المزيد من الشهرة في السنوات القلية القادمة.
***
كتاب (دهشة القص.. القصة القصيرة جداً في المملكة العربية السعودية) ألقى الضوء على هذا النوع من القص في المملكة بطريقة تجمع بين تقديم المنجز الإبداعي، والرؤية النقدية، والتوثيق الببلوغرافي.
ويستعرض مؤلف الكتاب في المقدمة (خالد أحمد اليوسف) تاريخ القصة القصيرة في السعودية، ويرجع بها إلى بداية السبعينيات من القرن الماضي، وحينها لم تكن مستقلة عن القصة القصيرة، بل كانت تكتب إلى جانبها في الصحافة المحلية دون أن تثير أي أهمية بذاتها. وكان من أوائل من كتبها (جبير المليحان) الذي استمر في كتابتها، ومن أبرز كتبها في تلك الحقبة (محمد الشقحاء) الذي لم يتوقف عن كتابتها أيضاً.
واستمر حضور القصة القصيرة جداً بالتوازي مع القصة القصيرة دون الانفصال عنها حتى أوائل التسعينيات حين صدرت مجموعة (فراغات) للأديب (عبد العزيز الصقعبي) التي كانت أول مجموعة تحمل على غلافها هذا التجنيس الجديد (قصة قصيرة جداً) ثم تتالت المجموعات القصصية المجنسة تحت هذا النوع، وبالنتيجة تطور هذا القص خلال ما يقارب العقود الأربعة حتى وصل عدد المجموعات المتخصصة فيها إلى ثلاث وسبعين مجموعة، وعدد كتابها إلى ثمانية وثلاثين كاتباً، وثلاث عشرة كاتبة. ويزيد أعداد الكتاب والكاتبات والمجموعات القصصية إذا أضفنا إلى القائمة المجموعات القصصية المتضمنة قصصاً قصيرة جداً.
ويعد الكاتب (حسن البطران) من أهم كتابها حضوراً بعدما أفرد لها ست مجموعات، وهو الرقم الأكبر حتى الآن.
***
يبدو أن ميزات القصة القصيرة جداً وسلبياتها متشابهة غالباً في أرجاء الوطن العربي، ولا شك في أن خصوصية القص تعود إلى البيئة الاجتماعية ذاتها، فالأدب هو مرآة مجتمعه رغم أن الأديب يستقي ثقافته من مشارب مختلفة، ولكن لدى الكتابة تفرض البيئة شروطها، فالأديب نفسه ابن هذه البيئة وإن تباينت درجة التأثر من كاتب لآخر. تمتاز القصة القصيرة جداً بالفكرة الجديدة التي تعالجها فتفرض تأثيرها على المتلقي، إضافة إلى الأسلوب السلس الرشيق، فلا مجال للتعليق والشرح، كذلك المفردات المنتقاة بعناية فلا مجال للإسهاب والدخول في التفاصيل، مع مراعاة قفلتها التي يجب ألا تخلو من الدهشة والمفاجأة.
نلحظ أن الكاتب الماهر يجيد التعامل مع الشروط الفنية للقص ويأخذ بها، أما غير الخبير فيختلط عليه الأمر حتى إنه يبالغ في العناية بالسرد وتركيب الجميل على حساب شروط القص، وقد يتحول النص لديه إلى قطعة شعرية، وإن كانت جميلة فإنها ليست قصة قصيرة جداً. وأحياناً يبالغ الكاتب في شدة التكثيف، أو أن الفكرة غير واضحة في ذهنه، فيقدم نصاً غير متكامل لا تنطبق عليه شروط القص.
لهذا من الضروري أن يواكب النقد حركة القصة القصيرة جداً للإسهام في تطويرها واستمرارها، ولكن النقد في الوقت الراهن غير معني بالقص وأحواله كما ينبغي، وهذا ما ينعكس سلباً على المشهد القصصي العربي، لهذا يجب العمل بجدية لتجاوز الهنات والأخطاء وتقديم أدب جيد يثري الحركة الأدبية ويغنيها.
***
إضافة إلى المقدمة التي تعرف بالقصة القصيرة جداً في السعودية، وإلى القصص المختارة، تضمن الكتاب ببلوغرافيا توثق الإصدارات المعينة بهذا الجنس، لهذا يعد الكتاب مرجعاً لا غني عنه للدارسين والمهتمين بالقصة القصيرة جداً في السعودية خاصة، والوطن العربي عامة.
... ... ...
المرجع:
العنوان: دهشة القص.. القصة القصيرة جداً في المملكة العربية السعودية
المؤلف: خالد أحمد اليوسف
الناشر: كتاب مجلة الفيصل- الرياض 1438 هـ.