رحل وفي نفسه شيء من عبق الماضي وأصالته، وصوت السواقي يسري في ذاكرته العتيقة مع حفيف الشجر ودمدمة الريح التي تحرك السعفات الخضر ! وترك دنيانا وفي قلبه عشق ظل يزداد مع تقادم الأيام لم يبرح يمنّيه بطول المشوار والعمل الدؤوب ! وفي قلوب الناس ودٌ وحبٌ واحترامٌ يحيا بهم من دماثة الخلق وعطر السيرة وطيب المعشر ! فنان تراثي وشيخ التراثيين الإحسائيين دون منازع ! بذل الجهد والمال وتخطّى عقبات الزمن وعقم الليالي ومعاتبة الإخوان في أولوياته وتضحياته حتى كُف بصره ! الفن مصطلح شامل بواسطته يعبّر المرء عن قيَمه الإنسانية والثقافية فتكون القطع المتناثرة في أرجاء المعمورة والأجسام الجامدة تاريخاً حياً يحكي تصارع الأقوياء وقتال المتحاربين وتدليس المحتالين حينها أدركت حكايته لي عن معاناته حين يسافر في بلاد الله الواسعة عندما يسمع أن في هذا المكان شيئاً من التراث فيدفع من الأموال الطائلة ليتمكن من الحصول عليه دون أن يعبأ بكم اشترى مقابل ما تمثل هذه القطعة من قيمة ذاتية له ؟! فلا تهمه الكلفة الماديّة بقدر قيمتها المعنوية والتاريخية، لأنه يدرك بحس وشعور العاطفة الوطنية ومسئوليته أن ذلك جزءا من ثقافة وهوّية أمة من الأمم وشعب من شعوب الله عليه أن يحوطها بعنايته وحفظه !
حين يمسك بقطعة التراث وتسقط بين ذراعيه أو يمعن النظر في شيء جديد منها تستقبلها راحة يده بحنان الوالد بولده ويتأملها بنظرات المشفق المحب الذي طالما انتظر حبيبه بوله ووجد ! إذا حدّثك عن التراث وقيمته كأنه يحدّثك عن قطعة من جسده ومضغة من قلبه ! يحدّثك كرجل ملك الخبرة والتاريخ، فتجده يخوض في عالم التراث العالمي كله من تاريخ البشرية حتى يومنا هذا ! لم يتخذه كهواية فحسب ! بل كفن وحب وعشق أزلي وثقافة لازماه منذ أن فتح عينيه على هذه الدنيا ! اشتغل به بجانب التعليم كمحترف وبطريقة تخلو من الفوضوية فتقاعد من مهنته ولم يتقاعد من عشقه التراثي فكان منزله الذي يعيش فيه على مساحة كبيرة قد خصص الجزء الأكبر لسكن متحفه، فلم أر أحداً يضحّي بمنزله الذي لا يملك سواه من أجل المحافظة على إرث الآباء والأجداد لا بل من أجل الأرض التي أحبها وعشقها فكان متحفه المتنوّع من تراث الأمة عامة ومن الأحساء خاصة كعبة يؤمه القاصي والداني من المنطقة وخارجها حتى لم تبق تحفة أو قطعة أثرية تنبأ عن مرحلة زمنية إلا وبذل الجهد المضني في إحضارها ولا سمع عن أحد يهتم بالتراث إلا وضرب الآفاق يسعى إليه يأخذ منه ويعطيه ويستفيد مما في جعبته فما كان من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية إلا أن حضر بنفسه عندما كان نائباً لأمير المنطقة ليفتتح المتحف المثالي الأول بالأحساء في منزله العامر.
هل هناك من ورثة الأستاذ إبراهيم الذرمان من سيحافظ على هذه التركة الثقيلة والكنز الوطني الثقافي الثمين ؟ ويكون منزله كما عُهد عنه قبلة يتجه إليه عاشقو التراث وممتهنو الثقافة ؟! هل هناك دور للنادي الأدبي في الاهتمام بهذا الصرح الثقافي ؟! آمل ذلك !
- زياد السبيت