الأرصفة ثقافة رفيعة ونبض متصل بنسق الناس على كافة أحوالهم وتطلعاتهم، هناك أرصفة أليفة وخفيفة الروح ومبهرة بكثرة المارة منها وكثرة روادها، أرصفة قريبة من مرتاديها إلى درجة أنهم يفتقدونها إذا أطالوا الغياب عنها وبينها وما بين أجسادهم وأحذيتهم حنين إليها وهناك أرصفة تقبض القلب إذا مر بها بعضهم والأرصفة كالناس بعضها أليف والآخر منها محاط بسمية غريبة وكأنه يمتص كل طاقة إيجابية.
كل رصيف ذات مفتوحة لعشاقها المارة وأرصفة وأخرى كئيبة مظلمة كريهة الطعم والرائحة تطرد من يمر بها ليفر وذاته منها سريعاً.
أعشق الأرصفة التي تطل عليها شرفات البيوت والمقاهي أستمتع بقضاء الوقت فيها وتأمل أحوال سكانها المطلين عليها والأشجار التي تلقي التحية على المارة وكذلك العشاق أو الأصدقاء الذين يجلسون في المقاهي الفسيحة. حتى الأشجار المنصتة إلى الخطى تلقي التحية على الأوجه التي تحاول الإمساك بأغصانها بخفة بل وتتحسس أغصانها ملامحهم بكثير من الرقة المثيرة.
إنها حالة إنسانية تصورها الطبيعة بل وتمارسها في أبهى آياتها. لا مثيل لتلك الحالة إلا في الواقع السوي الذي تتناغم فيه الأشجار المعمرة مع الناس من الساكنين ورواد الأرصفة، ارتياد الأرصفة ثقافة لا يتقنها إلا الذين تهذبوا وتربوا على احترام الحقوق العامة المشتركة وكذلك في بلاد تطبق القانون في أبهى صوره وأحسنها. إنها ثقافة مهمة جداً للتدرب على الآداب العامة وأمانها وانضباطها للتعايش بوعي وانسجام وتكافؤ.
حين ينام المارة في هدوء تدخل الأرصفة إلى الأحلام لتنظيفها من كل الكوابيس والخبرات القاسية في دروب مارتها الموجوعين بخطى صامتة أحيانا.
الأرصفة منحة ربانية عالمية لم تقدرها المدن المغلقة على ذاتيتها حتى اليوم.
- هدى الدغفق