وليد صالح اليحيى
الكهرباء هي عصب الحياة العصرية والمدنية في وقتنا الحالي، وتعد حجر الأساس لتكنولوجيا المجتمع الحديث، وهي التكنولوجيا التي تعتمد عليها جميع البنى التحتية والخدمات اعتماداً كلياً في جميع شؤون حياتنا، وفي المجالات المختلفة؛ فالصناعة والمشاريع الزراعية التي تؤمّن الغذاء والمشاريع التنموية والخدمية ستتعطل دون وجود الكهرباء، وحياتنا الاجتماعية باستخدام الأجهزة المنزلية والتقنية ووسائل الاتصال لا يمكن أن تستمر في عدم وجود الطاقة الكهربائية.
لكن ماذا سيحدث فيما لو انقطعت الكهرباء لفترة طويلة؟ وماذا سيحدث لو كان هذا الانقطاع فجأةً؟ وما إذا كان هذا الانقطاع أيضاً عالمياً بأن يكون على الأرض كلها؟
عندما نطلق العنان لمخيلتنا في محاولة حصر تأثير هذا الانقطاع على حياتنا في ظل ظروف وطريقة معيشتنا اليوم يتبادر إلى الذهن أشياء عديدة، ولكن لعلي أبدأ بأهم التأثيرات التي تحضرني، وهو الحصول على المياه وتوفيرها إلى المنازل والمباني السكنية في المدن، خاصة الكبيرة والمكتظة بالسكان، التي تعتمد اعتماداً كلياً على الطاقة الكهربائية في استخراج المياه ومعالجتها وضخها إلى السكان. فسيتحمل الناس هذا الانقطاع لعدة أيام حتى ينتهي مخزون المياه في خزاناتهم الأرضية، لكن بعد ذلك سيضطرون للخروج من منازلهم بحثاً عن المياه. ثم كيف سيبحثون عن المياه؟ وأين سيجدونها؟ وهل سيقودون السيارات بحثاً عن الماء؟ فإن فعلوا فسيقودونها حتى ينفد الوقود منها ثم تتوقف حركة المواصلات؛ وذلك لأن محطات الوقود لن تعمل لانقطاع الكهرباء، بل إن جميع العمليات الصناعية التي توفر احتياجات الناس الرئيسية، كالمواد الغذائية والوقود، سوف تتوقف. ولك أنت أيضاً أخي القارئ الفاضل أن تنطلق بمخيلتك لمعرفة التأثيرات الأخرى في حياتنا اليومية في المساكن ووسائل الاتصال والمحال التجارية والمستشفيات والبنوك ومعاملاتها المالية والمشاريع الزراعية والاقتصادية وجميع شؤون حياتنا.
الصورة تبدو مريعة، والتأثير سيكون بالغاً، فسوف تكون هناك معاناة حقيقية تذكرنا بقصص المجاعة وسنوات الجوع التي مرت على الجزيرة العربية، وسمعناها من الآباء والأجداد، أو تلك الدول التي تضربها المجاعة ونراها في التلفاز. وأعتقد أن معاناتنا ستكون أكثر من أولئك؛ لأن أجيالنا أصبحت الحياة المدنية الحديثة جزءاً من حياتهم، ولا يستطيعون الانفكاك عنها، ولم يستعدوا لهذا الموقف الفجائي الذي سيعود بنا إلى عصور ما قبل الكهرباء.
لكن هل فعلاً من الممكن أن تنقطع الكهرباء لفترات طويلة؟
العواصف الشمسية
يؤكد العلماء أن الأرض تتعرض إلى عواصف شمسية ناتجة من انفجارات هائلة على سطح الشمس، تحدث بين فترة وأخرى. ونتيجة هذا الانفجار على سطح الشمس تندفع عاصفة شمسية محمَّلة بمزيج من شيئين قويين ومؤثرين، هما: الأشعة السينية التي تصل إلى الأرض في دقائق، والشيء الآخر والأكثر تهديداً هو الانبعاث الكتلي الإكليلي Coronal Mass Ejection (CME) الذي يصل خلفه بعدة ساعات إلى أيام.
والانبعاث الكتلي الإكليلي CME هو عبارة عن انطلاق كميات هائلة من البلازما (غازات متأينة) والمجالات المغناطيسية أو الإشعاع الكهرومغناطيسي، فهو عبارة عن موجة من مليارات الأطنان من الجسيمات المشحونة كهربائياً التي تولد تريليونات من وحدات الوات التي بإمكانها تدمير الشبكة الكهربائية، وتعطيل محطات توليد الكهرباء.
فالعاصفة الشمسية تعبّر عن تسونامي، لكنه فضائي قادم من الشمس إلى الأرض. ولاحظ العلماء أيضاً أن ذروة النشاط الشمسي الذي تتزايد فيه البقع الشمسية، وتحدث فيه انفجارات لخطوط المجالات المغناطيسية على الشمس، له دورة تتراوح بين 9 و13 سنة، وفي المتوسط 11 سنة.
تقترب موجات الانبعاث الكتلي الإكليلي من الأرض كغيمة غازية، أو كجرم يدور ببطء، أحد طرفيه أو قطبيه ذو شحنة موجبة، والآخر سالبة، ويقوم الغلاف المغناطيسي الأرضي - بإذن الله - الذي يحتوي هو أيضاً على قطبين، أحدهما موجب والآخر سالب، بصد معظم قوة العواصف، وتحويل مسارها عن الأرض إذا ارتطم قطب الموجة الموجب مع قطب الأرض المغناطيسي الموجب لتنافر الشحنات، ولكن إذا تعاكست الأقطاب فستضرب الموجات بقوة، وتتحرك الجسيمات المشحونة إلى الأسفل باتجاه الغلاف الجوي؛ فتكهربه، وتُحدث تغيُّراً في المجال المغناطيسي الأرضي مسببة عاصفة جيومغناطيسية، ويحول الغلاف المغناطيسي الأرضي هذه الجسيمات إلى منطقة القطبين، ويظهر ما يعرف بظاهرة الشفق القطبي، وهي عبارة عن ألوان خلابة تزين السماء، وقد تصل إلى المناطق المدارية والقريبة من خط الاستواء كلما كانت العاصفة الشمسية هائلة وقوية.
وتشير التقارير إلى تعرُّض الأرض إلى أقوى وأعنف عاصفة شمسية في عام 1859م نتيجة تعرُّضها لموجتين ضخمتين من الانبعاث الكتلي الإكليلي، واحدة تلو الأخرى، أدتا إلى ظهور شفق ساطع بألوانه الخلابة وأنواره الساطعة لدرجة أن عمال المناجم في ولاية كولورادو يستيقظون ويذهبون إلى العمل لاعتقادهم أن الفجر قد حل، ولكن في ذلك التاريخ كان التلغراف هو النظام الكهربائي الوحيد الذي تأثر، وأدى إلى تسخين البطاريات واندلاع الحرائق في مكاتب التلغراف. وأشارت التقارير إلى أن الشفق تمت رؤيته في جميع أنحاء العالم. ويحذر الباحثون أنه لو تكررت مثل هذه العاصفة في أيامنا هذه فإن تأثيرها سيكون مدمراً على كثير من الأصعدة؛ وذلك باعتبار أن أنظمة الاتصال والربط الكهربائي في البنية التحتية أكثر تطوراً بكثير مما كانت عليه في القرن التاسع عشر. وأظهر تقرير أصدرته الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم أن وقوع عاصفة شمسية مثل تلك التي ضربت الأرض في ذلك العام كان سيلحق بالعالم خسائر كبيرة جداً، بالإضافة إلى شل حركة الاتصالات على الأرض، وإحداث فوضى في أنحاء كثيرة من العالم. ويشير هذا التقرير إلى أن ترميم وإصلاح الأضرار الناجمة عن عاصفة شمسية مماثلة كان سيتطلب 10 سنوات على الأقل.
وفي عام 1989م في مدينة كيبك في كندا تعطلت محطات توليــــد الكهرباء، وتوقف نشاطها بسبب تدفق كهربائي مفاجئ، سببته موجة انبعاث كتلي إكليلي، نتج منه توقف وانقطاع التيار الكهربائي لستة ملايين شخص في المدينة.
ويحذر العلماء من عواصف قوية جداً، لديها القدرة على ضرب شبكات الكهرباء، وقادرة على حرق محولات ومولدات كهربائية، يصعب استبدالها، فلا يوجد سوى عدد قليل من الأماكن التي تصنع المحولات أو المولدات ذات الفولتية العالية، ويستغرق صنعها أشهر عدة أو سنوات.
ولا يقتصر تأثير العواصف الشمسية على الشبكة الكهربائية فقط بل يؤثر على أنظمة الاتصالات وأنظمة الملاحة كذلك، مثل نظام «GPS» العالمي؛ ما يؤدي إلى حدوث تشويش أو انقطاع فيها خلال العاصفة الشمسية، كما يؤثر على الأقمار الصناعية ورواد الفضاء. ولا خلاف بين علماء الطقس الفضائي من احتمالية تعرُّض الأرض إلى عاصفة شمسية قوية، قد تعيد الأرض إلى عصر ما قبل الكهرباء، ولكن السؤال لديهم هو «متى؟»، وهل يمكن التنبؤ بالموعد قبل الحادثة؟
ولدراسة تأثير الشمس على الأرض والفضاء أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» القمر الصناعي «مرصد ديناميكا الشمـــــــــس» (SDO) Solar Dynamics Observatory في عام 2010م، في دراسة تمتد لمدة 5 سنوات، وكان أحد أهم جوانب المرصد هو قدرته على رؤية الشمس عبر مجموعة من الأطوال الموجية، ونقل تفاصيل ما يحدث فيها بتغطية مستمرة فائقة الدقة والوضوح، في محاولة للإجابة عن تلك الأسئلة من خلال مراقبة العواصف الشمسية، وكيفية تولد المجالات المغناطيسية فيها.
ولكن هل العواصف الشمسية فقط هي التي تهدد بانقطاع التيار الكهربائي عالمياً؟
الغلاف المغناطيسي الأرضي
إمكانية تعطُّل الكهرباء لفترة طويلة ليس فقط بسبب العواصف الشمسية، بل في الدرع الواقي للأرض من هذه العواصف والأشعة الكونية، وهو الغلاف المغناطيسي الأرضي؛ فهو أيضاً بدأ في الضعف، وقد يؤدي هذا إلى انعكاس أقطاب الأرض. فقد نُشِر مؤخراً عن بيانات، أصدرتها وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا ESA)، كشفت عن أن القطبين المغناطيسيين للأرض يضعفان بصورة أسرع مما كان يعتقده العلماء سابقًا. فمن المعروف أن الحقل المغناطيسي للأرض ثنائي القطب، مثلها في ذلك مثل المغناطيس العادي ذي القطبين المتعاكسين. وعادة ما يحافظ هذا المجال المغناطيسي على شدته مدة طويلة، ولكن لأسباب غير معروفة فإنه يضعف أحيانًا، ثم يعكس اتجاهه في أزمان متباعدة. واعتقد العلماء أن المجال المغناطيسي يضعف بمعدل 5 % كل قرن، لكن البيانات والدراسات الجديدة تظهر أنه يضعف بمعدل 5 % كل عقد، وهو معدل يزيد بنحو عشرة أضعاف عن التقديرات السابقة. وقد تؤذن هذه البيانات الجديدة بانعكاس مقبل للأقطاب المغناطيسية للأرض.
إنّ هذا الانقلاب المفاجئ المنتظر، أو أن يسبق ذلك فترات طويلة من السلوك المغناطيسي غير المستقر، قد يعيث فساداً في شبكات الكهرباء والاتصالات، وقد يؤدي إلى انقراض التكنولوجيا بشكلها الحالي لفترة ليست قصيرة، خاصة أن هذه الدراسات تتوقع أن المجال المغناطيسي بقطبيه الجديدين قد لا يستقر أيضاً قبل فترة طويلة بعد هذا الحدث، ولا يُعلم إلا القليل من التأثيرات الأخرى التي قد تحدث نتيجة لذلك.
وتقوم كثير من الكائنات الحية والمهاجــــرة، كالطيور والحيتان والأسماك والسرطانات البحرية وبعض أنواع القشريات والحشرات وغيرها من الكائنات، بالاستعانة بالمجال المغناطيسي للأرض، كما أثبتت ذلك الدراسات لتحديد اتجاهها؛ فهي تهتدي إلى الجهة التي تقصدها ولا تضل طريقها أثناء هجرتها. فهل يمكن أن يكون تغيُّر سلوك تلك الحيوانات عن المألوف مؤشراً على بداية اختلال المجال المغناطيسي الأرضي؟
تباطؤ سرعة دوران الأرض
إن دوران كوكب الأرض هو أحد الأسباب التي تؤثر على المجال المغناطيسي الأرضي. ومع تباطؤ سرعة دوران الأرض فإن الغلاف المغناطيسي للأرض يضعف. وكان العلماء والباحثون قد اكتشفوا أن سرعة دوران الأرض تتباطأ؛ إذ أشاروا إلى حدوث تغيُّر غير ملحوظ في معـــدلات دوران الكرة الأرضية، وقيمة هذا التغيـــر الذي قاســـه العلمـــاء بمدة 2 ملي ثانية، أو جزأَين من الألف من الثانية، وهي مدة أقل بكثير من رمشة العين التي قد لا تكون ملاحظة في البداية، لكن هذه القيمة البســـيطة تتكرر يومياً، ولمدة عام، فإنهـــا تتراكم لتصبح قريبة من الثانية الواحدة. ونتيجة لذلك فقد جرت العادة منذ عام 1972م أن يتم إضافة ثانية واحدة تسمى الثانية الكبيسة للمقياس الزمني للتوقيت العالمي (UT) الذي يعتمد على حركة دوران الأرض؛ ليبقيه قريباً من التوقيت الذري الذي يعتبر الأساس للتوقيت العالمي المنسق (UTC)، وذلك في يوم 30 يونيو أو 31 ديسمبر، وبحسب معدل هذا التباطؤ. وقد أضيف للتوقيت العالمي منذ ذلك التاريخ 27 ثانية، بما فيها تلك التي أضيفت في 31 ديسمبر 2016، ويعلن عنها قبل موعدها عبر الهيئة الدولية لدوران الأرض والنظم المرجعية International Earth Rotation and Reference Systems Service (IERS) المكلفة دولياً بإضافة هذه الثواني.
لكن ما أسباب هذا التباطؤ؟ وهل معدل هذا التباطؤ ثابت أم متغير مع الزمن؟ وهل يمكن أن يتأثر بعوامل على سطح الأرض أو داخلها أو خارجها، تزيد من معدل أو عجلة هذا التباطؤ؟
لا تزال بعض إجابات هذه الأسئلة مجهولة، وبعضها لا يمكن الجزم بها كأسباب رئيسية لدى العلماء، ولكن يعزو بعض العلماء هذا التباطؤ إلى عوامل عدة، منها: الجاذبية المتبادلة بين الأرض والقمر، وتأثير قوى المد والجزر، والعواصف والغبار الكوني والزلازل، والاحتكاك بين قشرة الأرض ومعادنها المنصهرة داخلها، إضافة إلى حركة الرياح والاحتباس الحراري والتغير المناخي من ذوبان الثلوج وارتفاع منسوب البحار وتغير توزيع كتل الماء على الأرض.
إن تباطؤ دوران الأرض التدريجي الذي سيصل إلى التوقف عن الدوران يوماً ما لا يقتصر تأثيره على الغلاف المغناطيسي، بل هو مرتبط بأشياء أخرى مهمة، كزيادة طول الليل والنهار، والتأثير على الغلاف الجوي وسرعة الرياح وحركة مياه المحيطات والتغيرات المناخية، وعلى التنوع الأحيائي وغيرها من التأثيرات المهمة على الكرة الأرضية، وعلى الحياة فيها. فالعلاقة بين العواصف الشمسية والغلاف المغناطيسي الأرضي وتباطؤ دوران الأرض والتغيرات المناخية على الأرض هي علاقة متداخلة، بحيث يؤثر كل عامل منها على الآخر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
الإعجاز النبوي في الإخبار عن العودة إلى عصر ما قبل الكهرباء
ورد في السنة النبوية ما يدل على انقراض التكنولوجيا الحديثة، والعودة إلى عصر السيوف والخيول؛ ففي أحاديث كثيرة عن الملاحم والفتن والأحداث في آخر الزمان ما يدل على ذلك، منها:
ذِكْر السيوف والحراب والخيول كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تقومُ الساعةُ حتَّى ينزلَ الرومُ بالأعماقِ، أوْ بدابقٍ، فيخرجُ إليهمْ جيشٌ مِنَ المدينةِ، مِنْ خيارِ أهلِ الأرضِ يومئذٍ، فإذا تصافُّوا قالتِ الرومُ: خلُّوا بينَنا وبينَ الذينَ سُبُوْا مِنَّا نقاتلُهُمْ، فيقولُ المسلمونَ: لا، واللهِ لا نُخلِّي بينَكمْ وبينَ إخوانِنا، فيقاتلونَهُمْ، فينهزمُ ثلثٌ لا يتوبُ اللهُ عليهمْ أبدًا، ويقتلُ ثلثُهمْ، أفضلُ الشهداءِ عندَ اللهِ، ويفتتحُ الثلثُ، لا يُفتنونَ أبدًا، فيفتتحونَ قُسطنطينيةَ، فبينَما همْ يقتسمونَ الغنائمَ، قدْ علَّقوا سيوفَهُمْ بالزيتونِ، إذْ صاحَ فيهم الشيطانُ: إنَّ المسيحَ قدْ خلَفَكمْ في أهليكُمْ، فيخرجونَ، وذلكَ باطلٌ، فإذا جاءُوا الشامَ خرجَ، فبينَما همْ يعدونَ للقتالِ، يسوونَ الصفوفَ، إذْ أُقيمتِ الصلاةُ، فينزلُ عِيسى ابنُ مريمَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فأمَّهُمْ، فإذا رآهُ عدوُّ اللهِ ذابَ كما يذوبُ الملحُ في الماءِ، فلوْ تركَهُ لانذابَ حتى يهلكَ، ولكنْ يقتلُهُ اللهُ بيدِهِ، فيريهِمْ دمَهُ في حربتِهِ» رواه مسلم.
وفي حديث من رواية ابن مسعود رضي الله عنه، عن زمان الدجال قال: «.. فجاءهم الصريخُ، إنَّ الدجالَ قد خلَّفهم في ذراريِهم، فيرفُضون ما في أيديهم، ويقبلون فيبعثون عشرةَ فوارسٍ طليعةً، قال رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - (إني لأعرف أسماءَهم، وأسماءَ آبائِهم، وألوانَ خيولِهم، هم خيرُ فوارسٍ على ظهرِ الأرضِ يومئذٍ، أو من خيرِ فوارسٍ على ظهر الأرضِ يومئذٍ)» رواه مسلم.
وفي رواية أخرى تدل على زيادة طول الليل والنهار: قلنا: يا رسولَ اللهِ، وما لُبثُه في الأرضِ؟ قال «أربعون يومًا، يومٌ كسنةٍ، ويومٌ كشهرٍ، ويومٌ كجمعةٍ، وسائرُ أيامِه كأيامِكم» قلنا: يا رسولَ اللهِ، فذلك اليومُ الذي كسنةٍ، أتكفينا فيه صلاةُ يومٍ؟ قال «لا، اقدُروا له قَدرَه» رواه مسلم. فبقاء الدجال في الأرض كجمعة وشهر وسنة يشير إلى تباطؤ دوران الأرض. ويذكر العلماء أنه عند توقف الأرض تماماً عن الدوران فإنه يصبح اليوم الواحد بطول السنة.
ويظهر من هذه الأحاديث الصحيحة أن الناس سيعيشون عصر الانقراض التكنولوجي قبل مواجهة المسلمين مع الروم في ذلك الزمان، وقبل ظهور علامات الساعة الكبرى. والله أعلم.
الاستعداد وتقليل الأثر في النقلة إلى عصر ما قبل الكهرباء
إن انقطاع الكهرباء عالمياً، سواء كان ذلك بسبب دخول العواصف الشمسية وضعف الغلاف المغناطيسي الأرضي، أو انعكاسه، أو كليهما مجتمعين، سيجعلنا وغيرنا في عزلة تامة لتوقف الإنتاج العالمي، وتوقف وسائل المواصلات والاتصالات العالمية، وسنعتمد بعد الله على مواردنا الطبيعية الموجودة لدينا، التي يجب أن نحافظ عليها، ونعززها من الآن.
إنَّ من الخطأ تجاهل تحذير العلماء، وبخاصة أن لدينا ما يدعم هذا القول في سنتنا النبوية؛ فلا بد من الاستعداد بإجراءات ووسائل احترازية وسريعة، تقلل من أثر النقلة المفاجئة أو المتقطعة إلى عصر ما قبل الكهرباء، سواء حدث هذا في جيلنا أم جيل أبنائنا وأحفادنا. ولعل من بعض الأفكار والمقترحات التي يمكن أن تساهم في تخفيف الانتقال إلى عصر الانقراض التكنولوجي:
- نشر الوعي لدى الناس بضرورة المحافظة على الموارد الطبيعية، وعدم استنزافها، وأننا مهددون بالإقبال على عصر الانقراض التكنولوجي الذي سنحتاج فيه لمواردنا؛ وبالتالي يجب علينا المحافظة عليها، وتنميتها، وتعزيزها.
-* إقامة المؤتمرات والندوات العلمية لدراسة وسائل وسبل الاستعداد للتعايش مع عصر الانقراض التكنولوجي القادم، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة الآن في توفير البدائل المناسبة وتنمية الموارد الطبيعية ووضعها ضمن الخطط والرؤى المستقبلية.
- محاولة توفير المياه حول المدن وعلى الطرق الرئيسية بين المدن، وبمسافات معينة، بحفر آبار تعتمد على استخراج المياه بالوسائل الميكانيكية التي لا تعتمد على الطاقة الكهربائية، وحمايتها لحين الحاجة إليها. وكذلك وضع خزانات أرضية أو مصائد مياه، تكون قريبة من مجاري السيول والأودية؛ لاستغلال التغير المناخي العالمي الذي أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحديث الذي رواه مسلم وأحمد «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً»؛ فيلاحظ في زمننا الآن بداية التغيُّر بزيادة كمية مياه الأمطار وسقوط الثلوج على مناطق من الجزيرة العربية.
- تشجيع الجامعات والكليات العلمية والبحوث الأكاديمية بدراسة تصاميم سكنية ومنازل ووسائل نقل مبتكرة مناسبة لهذا العصر، والاستفادة من حضارات الأمم السابقة في التصميم الهندسي من ناحية نظام توريد المياه والإضاءة والتهوية الطبيعية، مع الأخذ بالاعتبار تغيُّر المناخ للجزيرة العربية.
* تشجيع المخططات السكنية الريفية أو الخضراء للمنازل المبتكرة التي تعتمد على المصادر الطبيعية للموارد والطاقة المتجددة مؤقتاً، ويمكن العيش فيها في عصر الانقراض التكنولوجي، والتدرب على المعيشة الطبيعية في تلك المنازل وقت العطل والإجازات.
* في المدارس والجامعات يمكن تصميم جناح أو قاعة دراسية لا تعتمد على الوسائل التكنولوجية ذات تصميم معين من المواد الطبيعية، بحيث يأخذ كل فصل في المدرسة درسًا واحدًا على الأقل في تلك القاعة خلال اليوم الدراسي لنشر الوعي لديهم بتعزيز وغرس مفهوم المحافظة على الموارد البيئية، وطرق المعيشة الطبيعية، وتعلم المهن الحرفية والابتكار، والاستعداد لذلك العصر.
- دعم وتشجيع دراسة الطب البديل والتكميلي لتخفيف تأثير فقد الطب التكنولوجي الحديث.
- إمكانية إيجــــاد مخازن استراتيجية طبيعية وبنوك لبذور المحاصيل الزراعية.
- دعم وتشجيع الحياة الفطرية وإنمائها داخــــــل المحميات وخارجها، وإعادة توطيــــــن الحيوانات البرية.
- وضع مراكز في جميع المدن للتعليم المستمر للحرف والمهن التراثية التي كان آباؤنا وأجدادنا يعملونها قبل اعتمادهم على الكهرباء، وقبل أن تندثر تلك المهن، وقد نحتاج إلى الاستفادة من تجارب الدول الفقيرة التي سوف تكون أقل تضرراً من الانقراض التكنولوجي للاستفادة من وسائلهم وتجاربهم في العيش دون الكهرباء.
قد يتفق البعض مع هذه المقترحات، وقد يجدها البعض مبالغاً فيها، ولكن من الحكمة أن تكون هناك خطط مستقبلية للاستعداد وتقليل أثر الانقراض التكنولوجي القادم. والحقيقة، إنه مع وجود الفتن والأحداث التي نراها الآن، وقرب حدوث الملاحم، وظهور كثير من العلامات التي أخبر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس السؤال هل نحن مستعدون لانقطاع الكهرباء؟ بل السؤال الحقيقي هو هل نحن مستعدون لما أمرنا الله سبحانه وتعالى وكلفنا به قبل انقطاع الحياة فجأة؟
هذا والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.