«الجزيرة» - عبده الأسمري:
حذر ناشطون وخبراء من مغبة ما يقوم به النظام الإيراني من طمس خريطة الأحواز العربية من خلال إقامة السدود ضمن خطة دفاعية للنظام وممارسة للقمع والتهجير الذي يمارسه نحو المعارضة الأحوازية وتعمد في الاعتماد على الميزانيات لخلق مساحات احتلال له في الأحواز وتشريد الشعب الأحوازي وممارسة تعذيب وقتل المعارضة والسير قدمًا إلى وضع مساحات للمحافظات الأحوازية وبينت دراسة من جامعة الأحواز أن الوفيات ارتفعت إلى ما نسبته 30 في المائة نتيجة إقامة السدود بكثافة في الأحواز إضافة إلى ارتفاع الإصابة بمرض السرطان جراء التلوث البيئي إلى ما نسبته 500 في المائة ونشوء أمراض الكلى وتشوهات الأجنة وحالات الإجهاض المتزايدة الأمر الذي أدى بمنظمة الصحة العالمية لتصنيف ا الأحواز ضمن أعلى المدن عالميًا تأثرًا بالتلوث جراء ممارسات النظام الإيراني
قال محمد المحجي رئيس مركز ميسان للأبحاث والدراسات بلندن لـ(الجزيرة): إن السدود هي أحد أهم العوامل البشرية التي تؤدي إلى تدمير البيئة في مساحة واسعة على طول مسير النهر. وعلى عكس ما يروج له بأنه من دون بناء السدود لا يمكن للحياة أن تستمر.
وفي واقع الأمر مشروعات تنظيم المياه الجارية في إيران، أصبحت نقطة تلاقي الفساد الفني والفساد الاقتصادي، وتغذي مجاميع عديدة في إيران من السياسيين والرجال الأعمال المقربين من الأجنحة السياسية وعلى رأس جميعهم الحرس الثوري.
وخطورة مشروعات نقل مياه الأنهار التي تجري باتجاه الأحواز لا تقل عن السدود الكبيرة، وتصرف أموال طائلة على تلك المشروعات، وتنفذ إيران مشروعات نقل المياه وفق خطة أمنية طويلة الأمد لصالح ازدهار المحافظات الفارسية التي تقع على أطراف الصحراء الكبيرة وسط إيران. وحسب الخطة الأمنية الدفاعية التي دار الحديث عن أجزاء منها في بعض وسائل الإعلام المقربة من الحرس الثوري ومنها موقع «تابناك»، رسمت طهران خطة دفاعية على أساسها تقاوم أي عدوان محتمل عليها لسنوات طويلة ومن خلال التركيز على المحافظات الفارسية، لأنها ترى أنه في المحافظات الحدودية بسبب وجود الشعوب غير الفارسية لا يمكنها المقاومة كثيرًا. ووظفت إيران تلك التحاليل والخطط لإقناع شريحة من الإيرانيين الذين عارضوا وما زالوا يعرضون مشروعات نقل المياه من الأنهار الأحوازية. واستطاعت بشكل جزئي أن تسيطر على بعض المعارضات لهذه المشروعات الضخمة.
وأضاف المدحجي أن تنفيذ مشروعات كبيرة لتغيير مجاري الأنهار في إقليم الأحواز العربي وتجفيفها تدريجيًا منذ أكثر من عقدين، تسبب بتلوث بيئي هائل وأدرجت منظمة الصحة العالمية مدينة الأحواز العاصمة على رأس قائمة المدن الأكثر تلوثًا في العالم أجمع لثلاث سنوات متتالية من عام 2011 إلى 2014.
وحسب إحصائيات وزارة الصحة والعلاج والتعليم الطبي الإيرانية، ارتفعت معدلات الإصابة بالسرطان في إقليم الأحواز بنسبة أكثر من 500 في المائة أي أكثر من 5 أضعاف منذ العقد الأخير.
وكان شريف حسيني، أحد مندوبي مدينة الأحواز العاصمة في مجلس النواب الإيراني قد كتب رسالة إلى حسن روحاني، الرئيس الإيراني، واتهمه بـ»تجاهل الكوارث البيئية الكبيرة التي تحدث في إقليم الأحواز نتيجة السياسات الحكومية». وردًا على هذه الرسالة وفي خطوة غير عادية، نفى نائب الرئيس الإيراني الأضرار الإنسانية الكبيرة الناجمة عن الأزمة البيئية في الأحواز، واتهم شريف حسيني بنشر الأكاذيب.
وحسب الدراسة التي قامت بها جامعة الأحواز الطبية الحكومية، لقد أثّر التلوث البيئي في الأحواز إلى تزايد الوفيات بنسبة 30 في المائة خلال السنوات الـ10 الماضية، وجاءت أكثر من 20 بالمائة من الوفيات نتيجة لاستنشاق الجسيمات الملوثة للهواء.
وكان من ضمن الآثار الناجمة عن التلوث، ازدياد عدد المصابين بأمراض القلب والكلى وارتفاع نسبة المواليد المشوهة، إضافة إلى ارتفاع حاد في معدلات الإجهاض بين الأمهات، خاصة في الولادة الأولى، وانخفاض معدل الخصوبة في الرجال والنساء.
وقال الباحث وعضو التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز مهدي الهاشمي لـ(الجزيرة): إن ر التبعات الكارثية للسدود الإيرانية لا تقتصر على الكارثة الصحية فحسب، بل تسببت هذه السدود بجفاف أحد أكبر أهوار شرق الأوسط أي هور الحويزة تجفيفًا كاملاً وأسهمت في تجفيف هور البصرة أو هور الحمّار في العراق. جفاف هور الحويزة تسبب في التهجير الكامل لسكان أربعين قرية أحوازية وتطهير الحدود الإيرانية من الوجود العربي الأحوازي بشكل تام. فقد انخفضت مساحة هور الحويزة من ثلاثة آلاف وخمسمائة (3500) كيلومتر مربع في عام 1970 إلى أقل من مئتين (200) كيلومتر مربع في الوقت الراهن. تجفيف هور الحويزة يعد من أهم أسباب زيادة وتيرة العواصف الرملية وبلوغ كثافة التلوث الجوي بالجزيئات المعروفة بـ PM10 إلى درجات غير قابلة للقياس وتعطيل أجهزة قياس التلوث في الأحواز خلال العام الماضي، حيث يموت سنويًا أكثر من خمسة آلاف أحوازي نتيجة التلوث البيئي الهائل.
الكارثة البيئية الناتجة عن بناء السدود على أنهر الأحواز استكملت بإنشاء مشروعات قصب السكر في نهاية الثمانينيات وتسببت في المزيد من الجفاف وتفاقم الأزمة البيئية، فمنذ خمسة أعوام وتمنع السلطات الإيرانية المزارعين العرب الأحوازيين من زرع أراضيهم بذريعة الجفاف في حين تخزن مياه انهر الأحواز في المحافظات الشمالية للأحواز أو تنقل المياه إلى المحافظات الفارسية. نتيجة لهذا الأمر قد أجبر مئات الآلاف من المزارعين الأحوازيين على ترك قراهم واللجوء إلى الأحياء الهامشية الفقيرة في ضواحي مدينة الأحواز العاصمة. فقد ازدادت نسبة سكان الأحياء الهامشية في فترة التسعينيات ووصلت إلى أعلى مستواها في عام 2005 وهي خمسمائة ألف نسمة.
فهناك أكثر من عشرين حيًا هامشيًا في ضواحي مدينة الأحواز يقطنها العرب ويعيشون في أوضاع اقتصادية ومعيشية مزرية ويعانون من الحرمان في كافة مجالات الخدمات المدنية. يشكل المهمشون العرب 40 في المائة من سكان مدينة الأحواز وتعد مدينة الأحواز الأول في إيران من حيث نسبة السكان الأصليين الذين يقطنون الأحياء الهامشية.
كما تدشين السدود على 13 نهرًا مشتركًا مع العراق وحرف مسار البعض منها نحو العمق الإيراني، تسبب في انخفاض مياه نهر دجلة في العراق وجفاف شرق العراق وهذا ما يعد أحد أهم أسباب ازدياد وتيرة العواصف الرملية في العقد الأخير. كما نتيجة لهذه السدود ازدادت نسبة ملوحة مياه نهر كارون 6 أضعاف، ونسبة المواد الجامدة الملوثة للمياه بنسبة 5 أضعاف، نسبة المواد العضوية غير المنحلة في المياه ازدادت بثلاثة أضعاف ونسبة المواد العضوية المنحلة في المياه تضاعفت ضعفين في عام 2003 قياسًا مع بداية التسعينيات، حسب إحصائيات إدارة المياه الإيرانية في الأحواز.
كما انخفض منسوب مياه نهر كارون، أكبر نهر في الأحواز وإيران، من 500 متر مكعب في الثانية في عام 1992 إلى 90 متر مكعب في الثانية، حسب الإحصائيات الحكومية الإيرانية، ويشكل حاليًا أكثر من نصف منسوب مياه نهر كارون من مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي الفائقة التلوث، ووصف أحد المسؤولين الإيرانيين في الأحواز بأن نهر كارون أصبح أكبر مصب مياه الصرف الصحي المفتوح في العالم.
كما الجفاف شبه التام لأنهر الكرخة والجراحي يهدد وجود المزارعين العرب في القرى العربية الواقعة على ضفاف هذه الأنهر منذ فجر التاريخ، يوحي بتغييرات ديموغرافية هائلة في الأحواز العربية المحتلة.
الإفرازات الكارثية لاستخدام إيران المياه في استراتيجيتها الأمنية للشرق الأوسط تشكل تحديًا ومباشرًا للأجيال الحالية والقادمة في الأحواز والعراق أولاً، وتحديًا غير مباشر للأجيال العربية في الخليج العربي، ثانيًا. في حال أن القوانين الدولية المتعلقة بالمياه الحدودية المشتركة، تسمح لاستخدام المياه بالشكل الذي لا يمس بنسبة المياه وسلامتها ومستواها الكيفي في البلد المجاور وتمنع منعًا باتًا تجفيف الأنهر أو حرفها من مسارها الطبيعي والأضرار بالأقاليم والدول المجاورة. هذه الانتهاكات الإيرانية تعد خرقًا شاملاً للاتفاقيات الدولية في مجال المياه المشتركة كاتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية المرقم 229 - 51 المؤرخ 8 - 7 - 1997 وكما أنه يعد تجاوزًا على حقوق الشعوب الأصلية القاطنة على ضفاف هذه الأنهر منذ فجر التاريخ حسب البند الأول من قرار رقم 295 - 61 المؤرخ 13 أيلول - سبتمبر 2007 المختص بحقوق الشعوب الأصلية.