د. خيرية السقاف
مؤمنون بقضاء الله, محتسبون إليه,
غير أننا بشر تهزنا المواقف, ويضعفنا الألم, ويبكينا الفقد, ونحار في لحظة أن يتسرب الأحبة من بين أيدينا كم يتسرب الماء في هدوء وغفلة وفجاءة أقوى من نبضنا, وأقسى من جَلَدنا,
ونزداد يقينا بعجزنا..
بين يدي أمس حزنت ثلاثا,
«إيمان التركي» اليافعة النشطة, شمعة مركز الدراسات الجامعية للبنات بجامعة الملك سعود, ليست فقط ابنة الأسرة العريقة التي ربتها فجعلت منها مع خصائصها الذاتية نموذجا للأخلاق, والدأب, والعطاء, والبذل المخلص وهي مسؤولة, وشريكة في صنع منهج إدارة شؤون الطالبات, وأنظمتها, وهي تواجه التفاصيل اليومية لعشرات الآلاف منهن, فتتناولها بحكمة أبعد من عمرها, ووعي أشمل من فضاءات ما حولها, بروحها الوثابة, وابتسامتها التي لا تفارقها, وحيائها أجمل ما ترتديه, وقد كنت أباهي بها, وأثق فيها, وإنني أحبها,
بالأمس وأنا في منأى عن المكان, توافدت إشعارات الصديقات بالنبأ..
رحلت إيمان, ودعتنا فجاءة كما تمر النسمة العاجلة المباغتة في لحظة قيظ, مرت لتتلهف مرورها السريع خفقاتنا, متى, كيف, أين؟
يا الله كم لي من الزمن ما سمعت صوتها, ولا رأيت محياها, وقد باعدتنا المواقع, وشاغلتنا اليوميات, وأخذتنا في دولابها ساقية الحياة,
لكنها نابضة في الذاكرة, تشاغبني بطيفها, وملمحها, وجمالها, وطيبتها, وهدوئها, وحيائها, وخلقها, وطيبتها, ونقائها..
حتى تلك العبارة التي ترددها حين تواجه من الشابات ما لا يخضع لمقياس أخلاقها, وفضائلها, ونبلها في السلوك فتقول: «المدهش كيف؟!» ,
وكثيرا ما كنت أداعبها في الممرات حين ألتقيها تتقاطع بنا الاتجاهات بعبارتها: «المدهش كيف»..
ماتت إيمان, ولا أستطيع أن أقول لها: «المدهش كيف» مت يا إيمان,؟!
والدموع تتهاطل عليك يا إيمان وأستغفر ربي, فهو من أعطى, وهو من أخذ,
الأمر بيده, والمبتدأ منه والمنتهى إليه, وإنا إليها لمنقلبون..
ذهبت إيمان عند عفو رحيم في جنات الخلد يارب,
دعائي خالصا للغالية إيناس توأم روحها, شقيقة قلبها, ورفيقة أيامها,
وهو أولا للنبيلة الصابرة المحتسبة والدتها السيدة نجاة توفيق, وجميع أهلها, وأولهم سلطان قرة عينها..
فيا سلطان, أسأل الله لك الصبر والأجر يا بني, وأن تكون لها قرة ,ماكنت لها في حياتها,
كما أعزي أخينا القدير العزيز الدكتور منصور التركي مدير الجامعة سابقا, الذي لا يتكرر قدوة, وقيادة , وأخوة, وحكمة..
***
وحزنت اثنتين أيضا في الأمس نفسه,
فقد رحلت هيا السياري, ومعها طفلها هشام سلمان العودة في لمحة,
تركت الزوج الرفيق, والأبناء الصغار, والأهل المحبين, ورفيقات الدرس ,والعلم ,والحياة..
لله ما أشدها فاجعتك أيها العزيز الدكتور سلمان العودة, ما أقساها من لحظات..
وقد كانت رحمها الله تشهد لها حلق القرآن, وكل من تعلمت على يديها, أصدق, وأنجى, وأثمن العلم..
أحزنني الخبر, وعشت لحظات الفقد, واستعدت متاهات الحزن, واحتسبتهما لله,
فليهبك الله الجلد, والصبر لهذا الرحيل المفاجئ لرفيقتك الحبيبة, ولفلذة نفسك الغالي, فليصبِّرك تعالى بما علَّمك, ورزقك من اليقين, فقد كان لك من الحكم في الموت ما أسأل الله أن يمكنك بمثلها في هذه اللحظات.., وأن يجبرك في مصابك..
وأن يتقبلهما برحمته في جناته..
***
هو هذا الموت, ينتظرنا دون موعد, ولا علم, لا يعبأ بأي حال نكون,
ولا أن نكون في انتظاره,
طوَّاف بالأحياء, متى يحضر لا ينتظر أحدا..
***
عزائي لكم, وللقربى, ولأصدقاء يشاركون, ولمحبين يتألمون, ولي..
اللهم اجبر مصابنا فيهم جميعهم, وموتى المسلمين, واجعلهم في ضيافتك مكرمين بعفوك, وجناتك, وأسبغ عليهم رحمتك, ورضاك..
اللهم ارحم إيمان, وهيا, وهشام..
اللهم أنزلهم حيث تكون ضيافتك الجنة, وعطاؤك المغفرة, والرضوان.
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.