أحمد بن عبدالرحمن الجبير
نتطلع أن يصار إلى ورشة قانونية متكاملة، من خبراء اقتصاديين ورجال قانون، لوضع حزمة من التشريعات، تتناسب ومتطلبات رؤية المملكة 2030م، حيث لن تستطيع الرؤية تحقيق أهدافها في ظل أنظمة وقوانين قديمة، ولا تتناسب والمرحلة الجديدة، لتحقيق أهداف وإستراتيجيات القطاع العام والخاص، وتحقيق التنمية الشاملة، وكشف القصور في الإدارة، والقضاء على الفساد، وحماية المال العام، من خلال اعتماد مبادئ المحاسبة والشفافية.
ودائماً ما تأتي الأنظمة، والقوانين، لتكون بنية تحتية للاستثمارات الأجنبية، التي لا زالت أنظمتنا لا تلبي الضمانات القانونية لها، فمجلس الاقتصاد والتنمية، أمام تركة ثقيلة جدا، فعينه للأمام والمستقبل، ولديه إرث من الأنظمة واللوائح، والإجراءات القديمة، وأحيانا هذه الأنظمة لا تغطي متطلبات العمل الاقتصادي الجديد وفقا لمواصفات عالمية، حيث إن الخطط الخمسية السابقة كانت فاشلة ببعض جوانبها الرئيسة، وبخاصة تطوير التشريعات والأنظمة، والقوانين، وأيضا في الاستثمار والتوظيف الأمثل للموارد فترة الانتعاش الاقتصادي.
ونتمنى أن تُؤخذ أسباب فشل الخطط السابقة، والقائمين عليها بالاعتبار، للحيلولة دون تكرار التجربة السابقة، لأن تطبيق الأنظمة، والقوانين سيعزز من مبدأ المحاسبة، والمساءلة ويرفع من مستويات الشفافية والنزاهة، ومكافحة الفساد الإداري والمالي، حيث إنه بسبب سيادة البيروقراطية والمحسوبية تعثرت كثير من المشاريع، التي كان يمكن حل مشكلاتها لو طبق ونفذ عليها القانون والنظام بصرامة.
فالمصروفات عالية جدا وخيالية، والإنجازات هشة، في المطارات والطرق والبناء والأعمار والتعليم فالمعوقات كثيرة، ولا يعرفها إلا من يعيشها، وهناك أنظمة وقوانين بالية تعيق المستثمرين السعوديين، حيث يعاني المستثمر من عدم وجود تسهيلات مالية لمشروعاتهم، وصعوبة في الحصول على التراخيص بسبب البيروقراطية، ولا يتم التجاوب معهم، والبعض الآخر يرفض طلبه، لدرجة تشعر هذه القوانين بأنها صممت لمحاربة المستثمر السعودي.
لذا علينا مراجعة الأنظمة والقوانين المعمول بها حاليا، وتطويرها بما يستجيب لمتطلبات الوقت الحاضر، ويفي بمتطلبات التطورات الاقتصادية والقضائية، وخصوصا المحاكم التجارية، وبما يتواكب مع تطور المجتمع، والمتغيرات التي حدثت في العالم محلياً ودولياً، ولكي تتمكن المحاكم من القيام بمهمتها بيسر وسهولة في ظل وجود قوانين، وأنظمة شاملة وحديثة، وتوفر كوادر وطنية متخصصة في القانون التجاري، والشريعة الإسلامية.
ويفترض تطوير الأنظمة والقوانين بما يتواكب مع مستجدات عصر العولمة الاقتصادية والاتجاهات الحديثة في الأنظمة التجارية العالمية، وتطبيق أحكام النظام التجاري على التجار وعلى جميع الأعمال التجارية مثل الكثير من الدول، لأن الاقتصاد غير المنظم لا يضيف أي فائدة للاقتصاد الوطني، ويتسبب في عدم نمو الاقتصاد في أي بلد، ويعمل على تشويه معدلات النمو الاقتصادي، فالقوانين غير الفعالة تعتبر ضعفاً في الإجراءات والأنظمة.
ويجب أن يشكل القطاع الخاص جزءاً مهماً من الاقتصاد الوطني، وأن يكون له دور أساس في وضع التشريعات، والأنظمة والقوانين المنظمة للاقتصاد الوطني، حيث إن التكامل بين القطاعين العام والخاص سيتمكن من خلق الوظائف للمواطنين جميعاً، وهذا التكامل هو القادر على قيادة نقلة كبيرة في الاقتصاد السعودي المستدام.
ويجب القضاء على البيروقراطية التي تعطل تحديث الأنظمة والقوانين، والاستفادة من الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث العلمية لتطويرها، حيث إن تطوير الأنظمة والقوانين واللوائح، والإجراءات التقنية التي تمت في بعض الوزارات مثل وزارة الداخلية والخارجية، وغيرها من الوزارات، والتي ساهمت في تسهيل الإجراءات، واختصار الوقت، ومكافحة الفساد الإداري والمالي تعتبر ممتازة.
لكن هناك أنظمة وقوانين تجارية وقضائية، وحقوقية وعمالية في بعض الوزارات لم يتم تطويرها حتى الآن، وأصبحت أسيرة الأدراج والرفوف، فالشؤون القانونية في كل جهة حكومية تعود إلى الإدارة المكلفة بوضع الأنظمة، والقوانين واللوائح التنفيذية، وعددهم قليل، وربما ليس لديهم الخبرة العلمية والعملية، لذا يفترض تدريبهم وتطويرهم من أجل تحديث وتطوير الأنظمة، والقوانين خاصة في ظل توسع الأنشطة الاقتصادية المحلية والدولية.
فالاقتصاد يحتاج إلى نظام قضائي مالي مستقل، فنظام القضاء لدينا بحاجة إلى إيجاد محاكم تجارية متخصصة، تنظر في القضايا التجارية، ومراكز أبحاث علمية متخصصة، لأن بعض الباحثين يضطرون إلى السفر خارج السعودية لإجراء أبحاثهم العلمية، وهناك بعض الشركات الأجنبية تفرض على شركائهم السعوديين الاحتكام إلى محاكم خارجية بسبب ضعف الأنظمة والقوانين، واللوائح التنفيذية التي تكون في غالبيتها غير واضحة، وتفسر باجتهادات شخصية من قبل بعض الأفراد.
كما يجب تطوير بعض أنظمة وقوانين الاستثمار، لأنها أصبحت عائقا للمستثمرين بسبب تركها لأفراد يجتهدون فيها مما أفقدها مرونتها، والالتفات إلى الإدارات القانونية، وتطويرها وتحديثها لتلائم توجهات الدولة، وينطلق منها التخطيط والإدارة السليمة لتطبيق الشفافية، وأنظمة الحوكمة وتطوير أنظمة التمويل والرهن العقاري، ومعالجة القصور والمعوقات التي تواجه الاستثمار المحلي والأجنبي، من أجل أن يكون هناك توازن في توزيع الأنشطة التجارية، ودعم الاقتصاد الوطني.