د. محمد بن إبراهيم الملحم
في الأسبوع الماضي قلت لكم بلا اختبارات، واليوم يطيب لي أن أقدم لكم شكل الاختبارات في المستقبل، ربما أحلم ويحق لكل منا أن يحلم.. لماذا يستمر الطالب في حل الأسئلة على ورقة أعدها المعلم؟ في عالم مستفيض بالتكنولوجيا فإن الطالب سيحل الاختبار مستقبلا عبر الجوال فيحضر إلى المدرسة أيام الاختبارات في قاعة الاختبار ويتولى المعلم الملاحظة ليتأكد من الانضباط التام، ثم يقوم كل طالب باستخدام هاتفه الذكي ليختار المادة التي يريد أن يختبر فيها مستخدما الموقع الإلكتروني للجهة التعليمية فيقدم له آليا صفحة إختبار أسئلتها جلبها ذلك النظام الذكي من قاعدة بيانات ضخمة بكل الأسئلة الممكنة لهذا المقرر، كما أن أسئلة ورقة الاختبار هذه موزونة بالأصول الصحيحة المتبعة في بناء نموذج الاختبار فهي شاملة لكل موضوعات المقرر كما أنها توازن بين صعوبة سؤال وآخر بطريقة علمية، ليس هذا شيئا عظيما جدا حيث توجد حاليا برامج كثيرة تنفذ ذلك فيما يسمى ببنوك الأسئلة أو بنوك الاختبارات Test Bank. وبعضها تقدم اختبارات بالطريقة النمطية وبعضها تقدمها بطريقة «الاختبار المكيف كمبيوتريا» Computer Adapted Testing CAT بعد أن ينهي الطالب الإجابة ويرسلها سيتم تصحيحها فوريا ويحصل على نتيجته ثم يعود لمنزله أو ربما يطلب مادة أخرى ثم ثالثة ثم رابعة كما يشاء ويختبرها جميعا ذلك اليوم. وهكذا فربما أنهى الطالب جميع المواد في ثلاثة أيام فهو من سيحدد جدوله بهذه الطريقة بحسب قدراته، وكل طالب لن يكون لجدوله علاقة بغيره من الطلاب فهو يختبر مستقلا عنهم، كما أن المعلم الذي يتولى الملاحظة يهتم بضبط النظام فقط أما توزيع أوراق أسئلة وجمع إجابات وما إلى ذلك من مهام فما عادت في قاموسه.
وبعد سنوات من تطور التقنية واطمئنان الناس لها وثقتهم بها بدرجة كبيرة ستوجد أنظمة في أجهزة الجوال الذكية تتمكن من كشف البيئة المحيطة بك وقت الاختبار والتأكد من عدم وجود من يساعدك وبالتالي يدخل الطالب على الاختبار الإلكتروني من المنزل ولا يحتاج الحضور للمدرسة، ويؤدي اختبار ما يشاء من المواد كما أسلفنا. البعد الآخر وهو المهم في هذا لأمر هو مصير مستوى التذكر في هرم التعلم الإدراكي فالمعلومات، كما هو معلوم، متوفرة للطالب عبر الإنترنت أثناء مثل هذا الاختبار الإلكتروني الذي يؤديه في المنزل، فيتمكن من الإطلاع عليها كمعلومات عبر النت أو حتى من الكتاب، فلا يوجد رقيب، بيد أن التطور الذي يتوقع أن يتزامن مع هذه الطفرة في التحول إلى الاختبار المنزلي (أو الاختبار عن بعد) هو أن الاختبارات ستستهدف مستويات التفكير العليا فقط من التطبيق والتحليل والتركيب والتقييم والإبداع وبالتالي فإن اختبارات المستقبل ستكون كلها من نوع اختبار الكتاب المفتوح، فتذكر المعلومة واسترجاعها ما عاد هو الهدف من التدريس وإنما حل المشكلات والتشخيص والابتكار وبذلك سيكون التحدي الذي تقدمه أسئلة الاختبارات ليس تحديا معرفيا في المستويات الإدراكية الأساسية وإنما تحديا خلاقا يوجد الإبداع والنماء الفكري المطرد.
لذلك إذا ظل التدريس يراوح في تذكر المعلومات ولم يتم الارتقاء به فسوف تتقدم التقنية لتخدمنا بينما نحن عاجزون عن استخدمها كما فعل غيرنا، وهذا يشبه تماما حالة الشخص الأمي في عدم استخدام تكنولوجيا الصراف الآلي والتي أضحت جزءا من حياة كل شخص، فتجده يطلب عون الناس كل مرة يحتاج إلى الصراف الآلي. المعلمون اليوم عاجزون عن التقدم في هذا المجال لأنه لغة متقدمة على كثير منهم، والمسألة تحتاج إعادة صياغة شاملة للكثير من الأبعاد أبرزها جودة تصميم و تقديم مقررات كليات التربية بالإضافة إلى المستوى النوعي للتدريب التربوي على رأس العمل.
هل يا ترى يتحقق ذلك؟ لا تنسوا أني قلت لكم «أحلم».