مها محمد الشريف
تفكُّك العالم العربي وفقدانه لوحدته في الوقت الراهن إنما يعني أنه وفق منظور سياسي جديد أمام مرحلة مختلفة انتقل فيها إلى ما يشبه المستعمرات مسلوبة السيادة والإرادة، حيث تتوزع المهام على أعداء الأمة، وعليه، فإن ثمة نموذجاً لظلمة مستقبل القرار السياسي العربي الجمعي تلوح في ما تتعرض له قرية أم الحيران العربية من تهديدات مستمرة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي بلغت ذروتها في هذه الأيام حيث تسعى إسرائيل جاهدة ودون اكتراث لهدمها واقتلاع سكانها العرب من الأرض وتاريخها من الذاكرة تمهيداً لزراعة مستعمرة يهودية مكانها.
وفي ضوء ما سبق، نخلص إلى القول بأن الفعل الاستبدادي يقوم على التسلُّط والتفرُّد بالحكم، والعلاقة التي تصف الأحداث بهذه الكيفية ثم تصمت، لا تحتاج إلا لأحكام دولية تؤكد عدم شرعيتها، فهدم جدران أم الحيران الفلسطينية التي تُعد واحدة من 26 تجمعاً بدوياً في صحراء النقب وبهذه البشاعة البشرية وجه قبيح للسياسة الإسرائيلية التي لا تعترف بوجود هذه القرية وتستهدفها بشكل مستمرّ بالهدم وتشريد أهلها.
والنظام العربي بهيكله العظمي الراهن لم يعد مناضلاً حتى بكلمة الاستنكار التاريخية أو الصرخة الإنسانية أو حتى الشجب كما كان في مجده الماضي. بمعنى أن التسليم بالأمر الواقع بات يختال ضاحكاً على وجوه بني يعرب، وكل تلك التنازلات من أجل التعايش مع المحتل والانسجام مع أفعاله، ومهما اقتضى الوضع من إسقاط للضوابط والشروط، فقد مرّ يوم أربعاء أسود من ضمن أيام عصيبة على سكان أم الحيران عندما أزالت سلطات الاحتلال من الوجود أجزاء من جسد هذه القرية حين هدمت عدداً من منازلها في عملية دامية. فاختلط ترابها بدماء ودموع سكانها..
وغير بعيدٍ عن أم الحيران ارتفع صوت عدد من شقيقاتها من البلدات والمدن الفلسطينية داخل الخط الأخضر يوم 18 يناير - كانون الثاني 2017 في مظاهرات غاضبة ضد هدم منازل في أم الحيران، صرخ فيها الآلاف ورفعوا شعارات الرفض والتنديد تضامناً مع أهالي القرية المنكوبة.
وفي هذا الصدد يستدعي صوت الألم وسائل الإعلام العربية وحثّها على بذل المزيد من التشهير وفضح ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي، والنقل عبر وسائل الإعلام المختلفة للانتهاكات بحق الفلسطينيين، وعدم الاستسلام إلى مسلَّمات وهمية سائدة، ونقل المأساة لشعوب العالم قبل حكوماتها. وحجم معاناة سكان قرية أم الحيران في النقب، والبقاء في وجه الاستيطان ومخططاته الرامية لتهجيرهم مرة ثانية على التوالي، وذلك لإقامة ورمٍ استيطاني إسرائيلي عليها.
لذلك ظلت الصور التي يمكن نعتها بالوحشية، بعيدة عن قضايا المجتمع الدولي الذي لا ينفك يتعمد أن يعتم على ما يجري على أرض فلسطين. فيما يواصل الاحتلال قتل الإنسان وتجريف أرضه واقتلاع الشجر والتاريخ والحياة، ورغم ذلك كله فإن مواطني أم الحيران ما زالوا صامدين مرابطين في أرضهم، لن يرحلوا منها وسيقاومون سياسة الاحتلال البغيض التي تنتهجها إسرائيل عبر قراراتها المتطرفة ومشاريعها الاستيطانية المتتالية لاقتلاع هذه القرية وابتلاع عروبتها كمشروع «برافر» الذي شرعته في عام 2003 لترحّل بموجبه سكان أم الحيران وتقيم من أنقاضهم مستوطنة حيران الدينية المتطرفة على أراضيها التي تشير عدة مواقع إلكترونية إلى أنها تبلغ مساحتها 3000 دونم من جسد فلسطين الكبير، وبهذا أصبح الاستيطان أحد الذرائع البشعة التي فرضها اليهود على أرض فلسطين ويحاولون إقناع العالم وإيهامه بشرعية هذا المطلب الاحتلالي، فالتهموا بموجبه أراضي البلدة وعملوا على تهجير من لم يقتل من سكانها لإقامة مستوطنة حيران بهويتها اليهودية عليها، منذ أن أُكره سكانها لأول مرة على الهجرة عام 1956 حين كانوا يسكنون في الجهة الغربية من مدينة رهط، وأقام الاحتلال عليها بعد ترحيلهم ما يُسمى «كيبوتس شوفال» ثم أقرت اللجنة اللوائية لشؤون الاستيطان التابعة لبلدية الاحتلال في القدس، بناء 560 وحدة استيطانية جديدة.
من جانب آخر، عدل الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قرار نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس في الوقت الراهن، وفي تقدير موقف نشره مركز الزيتونة للدراسات في بيروت، يشير إلى أن السياسة الرسمية الأميركية طوال السنوات الماضية، تعدُ بنقل السفارة، ولكن كانت تتحاشى مواجهة المضامين القانونية والدستورية والقرارات الدولية التي لا تُقر الضم الإسرائيلي لشرقي القدس، لكن ترامب قد يتجاوز كل ذلك، حسب هذه الدراسة، وحسب رأي كثير من النخب السياسية.