د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** لم نعانِ كثيرًا حين درَسنا نظرية فيثاغورس في الهندسة وأرخميدس في الفيزياء،كما استوعبنا نسبية آينشتاين وقوانين نيوتن وفق ما احتملته أذهاننا الناشئة، عندما أدخلوا مواد « الرياضيات والفيزياء والكيمياء « في المرحلة الثانوية بالمعاهد العلمية وقت أن كنا في مرحلة الطلب.
** كان ذلك جزءًا من تجربة تنويع المقررات وتوسعتها بدلًا من اقتصارها على المواد الشرعية والعربية والاجتماعية، وربما كان هدف متخذي القرار حينها السعي إلى توحيد التعليم بدمج المعاهد العلمية في التعليم المتوسط والثانوي،كما جرى السعي إلى فصلها عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فلم يتمّ الأمر كما قُدِّر أو قُرر.
** بقيت المعاهد كما كانت في بدء تأسيسها بعد إلغاء الإضافات التي كانت إضاءاتٍ نحمد الله أن أدركناها فجمعنا بين الدراسة المعهدية والعامة، وأثْرت معلوماتِنا مثلما جذّرت استعداداتنا لمرحلة تالية، ولا يعنينا هنا ما آل إليه وضع المعاهد العلمية أو كيف كانت وماذا صارت وإلى أين تسير؛ فلهذا عارفوه، ومن وحَّد التعليم العالي بالعام مع التقني غير غافلٍ عن الاتجاه إلى الزاوية الضيقة المسكونة بوضعٍ مزدوجٍ غير مبرر.
** لم نعانِ في عمرنا المبكر من هذه المدخلات أو التداخلات الحديثة مثلما لم نشكُ من» شرح ابن عقيل» و»زاد المستقنِع» والرسالة «الواسطية» وشقيقتها «الحمويّة» وعلمي «الفرائض والعروض» وما جرى مجراها، لكننا نعاني اليوم من قراءة كتاباتٍ «تلغيزيةٍ» تجعلنا نستعيد ما قاله «آينشتاين «حين أعاره «توماس مان» إحدى روايات « كافكا» فأعادها إليه قائلًا - كما يروي «أمبرتو إيكو « : لم استطع قراءتها؛ فالعقل الإنساني ليس بهذا التعقيد». ( ست جولات في الغابة القصصية - ترجمة د. محمد بن منصور أبا حسين - ص 5).
** عمق الفكرة أو امتلاء صاحبها قد يحول بينها وبين الوصول للعامة، كما أنّ بعض الطرق المتعرجة قد تُتخذ دربًا لمن رأى الأشواك تسدُّ المنافذ أمامه، وربما جاء الرمزُ إيماءً نائيًا عن المباشرة توقيًا أو تخطيًا، ولا جدل حول مشروعية هذا كما لا ضير من شرعنته، أما توظيف المفردات في معانٍ هلاميةٍ فيأسٌ معرفي يقود إلى البؤس.
** ذاك أمرٌ يتصل به تجاورُ العقل مع العلم إن حكى المرءُ أو كتب؛ فالنظرية الفيزيائية والكيميائية والرياضية واللغوية تكتمل في وعي صاحبها قبل إطلاقها ضمانًا لانطلاقها، أما ضجيجُ الكلمات واعتساف الرؤى فلا يؤدي إلى منتج، وحين لا يحضر العقل الرزين فوبالٌ واعتلال.
** لم يضِرْنا حشوُ رؤوسنا زمن التحصيل بالمعلومات المكثفة المتوازية غير المتوازنة ، ويضيرنا اليوم تغريدةٌ غير متزنة ومقال غير متسق ونصٌ موغل في الدُّلجة وإنسانٌ يهدر ويهذر وقناة تلطم وتشتم، والمحصلة في أذهان النشء خليط يفتقد امتزاج الذرات وصفاء النيات وتحييد المنافع والمطامع .
** الفهم مبدأٌ ومبتدأ.