د.علي القرني
مفهوم العصف الذهني فكرة جميلة جداً، وهي طريقه ابتدعها الباحث أليكس أوزبورن في كتابه الذي صدر عام 1953م بعنوان: الخيال التطبيقي.. وقبل أكثر من عقد من نشره لهذا الكتاب، كان أوزبورن يشعر بالكثير من الإحباط في ضعف العملية الإبداعية في الإعلان، عندما كان يعمل في مركز تنفيذي بإحدى شركات الإعلان.. ولاحظ هذا الضعف كمهارة فردية لدى مسئولي الإبداع الإعلاني، وعندما كان يجمعهم في مكان ووقت واحد ويتناقش معهم لاحظ أن الكثير من الأفكار الإبداعية تظهر جلياً..
وهناك قواعد وضعها أوزبورن، وهي لا تزال سارية إلى اليوم كقواعد تنظيمية لمفهوم وتطبيق طريقة العصف الذهني، وتتمثّل في أربعة أمور:
1 - الاتجاه نحو الكمية.. بمعنى التحفيز لتقديم أكبر قدر ممكن من الأفكار في موضوع النقاش والبحث.
2 - الامتناع عن نقد تلك الأفكار مهما كان، حتى لا يتم حجب أي فكرة تظهر في الموضوع.
3 - إتاحة الفرصة للأفكار الجامحة لأنه من الممكن أن تتولّد منها أفكارٌ جديدة وزوايا جديدة في الموضوع.
4 - تجميع الأفكار ودمجها وتحسينها لبناء أفكار جديدة، وهنا يتم التأكيد على أن 1+1=3 كشعار لهذه المرحلة من الأفكار.
وتتطور هذه الطريقة عبر وسائل تقنية، إلى أن وصلنا اليوم إلى وجود برامج حاسوبية مخصصة لهذا الجانب ابتدعتها جامعات أمريكية من أجل إدخال أكبر قدر من الأشخاص في مجموعات إليكترونية من أجل مناقشة موضوع أو قضية. وتُسمى حالياً العصف الذهني الإلكتروني. وهناك دراسات تشير إلى ضعف هذه الأداة في توليد الأفكار، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن الفرد يُولّد أفكاراً أفضل من المجموعة، بناء على تطبيقات معينة أشارت إليها تلك الدراسات، ولكن النقد الذي تولَّد لهذه الدراسات والتطبيقات أشار بقوة إلى أن تطبيق الأداة لم يكن وفق معايير وقواعد المنهج العصفي لهذا التطبيق.
ونحن في مختلف مجالات العمل ومستوياتها نطبق مثل هذه الأداة بطريقة أو بأخرى، فاللجان هي مجموعة عصف ذهني عن موضوع من الموضوعات، وورش العمل هي كذلك تناقش بطريقة جماعية موضوعاً وتشبعه بحثاً ونقاشاً للوصول إلى نتيجة معينة، وكذلك المؤتمرات العلمية في جلسات معينة تناقش موضوعاً وتستمع لكافة الأفكار حول الوصول إلى حل لمشكلة أو معالجة لقضية.
وإذا أمعنّا النظر أكثر في بعض منتديات العالم، فسنجد أن الكثير منها هو حلقات من حلقات العصف الذهني في موضوع من الموضوعات العامة أو الموضوعات المتخصصة.. وقد استعرضت في المقال السابق موضوع منتدى دافوس، وكيف أننا في الوطن العربي نحتاج إلى دافوس عربية تُعنى بالسياسات العامة في العالم العربي، وكان الاقتراح أن تصبح إحدى دول الخليج العربية مقراً لدافوس عربية سنوية تُعنى بهذه القضايا. وربما دبي أو أبوظبي مرشحة لهذا النوع من المنتديات الكبرى بحكم توافر اللوجستيات الخاصة بالمؤتمرات.
ومثل هذه المنتديات هي أشبه بعصف ذهني على مستوى كبير من السياسيين وغيرهم في موضوعات الشأن العام المحلي والإقليمي والدولي. وذكرت أن مختلف موضوعات الشأن العام العربي يجب أن تكون ممثّلة في هذه الموضوعات، مثل السياسة والاقتصاد والتعليم والإعلام والثقافة والمرأة والشباب وغيرها من الموضوعات.. والعصف الذهني العام عن تلك الموضوعات يمكن أن يُولد الكثير من الأفكار التنويرية في هكذا موضوعات.. ولا شك أنه يوجد حالياً منتديات متفرقة في موضوعات مختلفة، ولكن نريد منتدى شاملاً يُناقش أوضاع العالم العربي.. وهذا ما أسميته منتدى دافوس العربي.. ويمكن أن يكون مستقلاً عن هيئة دافوس، ويمكن أن يكون جزءاً منها.