أحمد محمد الطويان
باختصار شديد.. من لا يزال يعيش الستينات بشعاراتها، والسبعينات بتناقضاتها، والثمانينات بأيدلوجيتها، والتسعينات بمفاجآتها، والعقد الأول من الألفينات بصدماتها، عليه أن يصحو من انغماسه في كل حقبة، وأن ينفض غبار التجارب، وأن يهدأ، ويقرأ الدنيا من جديد، ويعرف أولويات عالم اليوم، لن يعيد عبدالناصر، ولن يحيي صدام، ولن يكسب دينياً أو دنيوياً مع من حرّم الصور وأصبح يملك استوديوهات. ثبت بلا شك، أن المستجدات أكبر بكثير من أفكار تيار أو حزب أو ثقافة مجتمع صغير، وأن العالم الذي كان كبيراً ويستوعب كل شيء، أصبح أصغر، بل صغير جداً، وله لغة واحدة، يجب أن يعرفها كل من يريد معايشة تطورات هذا الزمن.
عنتريات التشدد السياسي أو الثقافي والديني لن تمنع التغيير، والمزايدة على الحكومات في دينها أو ثقافتها أو منهجها السياسي لن يثنيها عن التطوير، ومحاولة إعادة العجلة إلى الخلف ستكون بائسة ولن تنجح، لأن هناك مجتمعات تقاد إلى الأمام من حكوماتها القوية والصادقة، وهذه المجتمعات لن تغير نفسها بسهولة، وتحتاج إلى قرار سياسي يوقظها من غفوتها، وينبهها من غفلتها، ولو تُركت هذه المجتمعات تحت وطئة الترهيب الذي تمارسه فئة مسيسة صوتها مرتفع لتحقيق مصالحها، سترتفع نسبة الأمية بين النساء، و ستتخلف في الإعلام، وستقاطع وتحرّم كل شيء، من الدراجة الهوائية إلى الطب الحديث.
الاندماج الثقافي لا يعني التخلي عن الثوابت الأساسية، كما أن الإندماج السياسي لا يعني غياب الهوية، أو اهتزاز السيادة، ومن يسير في الطريق إلى التنمية عليه أن يعرف جيداً أنه لا تنمية بلا انفتاح ثقافي، وأن قوى الرفض لا تنطلق من منطلقات دينية، أو أخلاقية، ولكنها عقدة نفسية، جعلت لرفضها عباءة دينية، لأن الجديد يقلقها وكل مجهول يرهبها، وكل مستنكر في المجتمعات المحافظة، استُنكر لجهلهم به، وليس لأنهم عرفوه واعتبروه منكراً إلا ما ندر.. والتغلب على أزمة الرهاب التنموي أو الخوف المرَضي من التغيير سيعطل المجتمع كثيراً، لأن هناك في ثقافة الخائفين ربط غريب بين التسيب والراحة، والجمود والاستقرار، وبين ضعف الإدارة وطيبة المدير، وبين ممارسة التخويف بالمؤامرة المزعومة على الفكر والثقافة والدين والفهم الصائب للشأن السياسي والثقافي والديني!
هناك مشكلة في فهم الواقع، ومشكلة أكبر في توقع المستقبل، وغياب واضح للرغبة الجادة في تغيير السائد «الخاطئ» مع وجود من يريد تعطيل المسعى الحكومي في هذا المسار، لحماية مكتسبات إدارية أو سلطة ثقافية وهؤلاء يصنعون «المطبات الهوائية» ويحاولون إيهام المجتمع بأنهم قادرون على إسقاط أحلام وتطلعات الطامحين بالغد الجميل.
لن يعود الزمن إلى الوراء، ولن ينتظرك المستقبل حتى تفهم وتتعالج من رهاب التنمية، ومن علّم البنات وأدخل التقنيات الحديثة، وبنى الثقة مع عواصم القرار في العالم، غلَب بصدقه وحكمته وقوته ولم يُغلب، ومن أراد التسلط باستغلال الخوف وإشاعته لتحقيق مكاسب لتيار أو فصيل، فهو بالتأكيد لا يعرف أين يعيش ولا كيف يفكر صانع القرار.. للمجتمعات احترامها، ولها خياراتها النابعة من معتقداتها بلا مؤثرات مسيسة، ولكن عندما يحاول البعض إشاعة حالة مصطنعة لمقاومة فكرة ناشئة، لضربها وتحطيمها في مهدها، يجب أن يقاومهم العقل، وتقمعهم الإرادة، وتواجههم السلطة الحقيقية بكشف جهلهم أو بكشف مقاصدهم، لتحجيمهم أمام أنفسهم وتذكيرهم بحقيقتهم، ليعرف الجميع بأن هؤلاء لا يعبرون عن المجتمع ولا يعرفونه جيداً.
تمسكوا بما تعتقدون بكل إيمان وصدق، ولا تصدقوا تجار الأوهام، ولا من يريدون إضعاف ثقتكم بأنفسكم وبوطنكم.. فكروا بالغد واربطوا الأحزمة، رحلة التنمية ممتعة وآمنة وتذكروا بأن المطبات لا تسقط الطائرات.