الجزيرة - وفاء أحمد - شيرهان إبراهيم:
الزواج ضرورة إنسانية وسنة نبوية منذ بداية الخلق فقد قال الله سبحانه وتعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} فهو تكملة لنصف الدين، ولكن مقاييس الزواج تختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر ومن أهم تلك المقاييس السن المناسبة للزواج وفرق السن بين الزوجين.
ورغم أن ظاهرة الزواج المبكر تنتشر في أغلب البلدان العربية يتساءل بعضهم هل يمكن قبول فكرة الزواج في سن مبكر وما الأسباب وراءه وما هي نتائجه السلبية والإيجابية على الطرفين ؟
يقول الدكتور أحمد سراج الدين أخصائي نفسي ومختص بحل القضايا الزوجية وعلاج الإدمان لـ«الجزيرة» إن الزواج له شروط ومقاييس وأساسيات ليكون له قوام متين، أولها أن يكون العمر مناسبا للزواج وألا يقل عن 22 عاما لأن خير الأمور الوسط مشددا على أن الزواج في أعمار المراهقة غير مناسب، وكذلك ألاّ يؤجل إلى الأربعين والخمسين أيضا ففي الحالتين هناك خطورة على حياة المقبل على الزواج خاصة لأول مرة، كما يؤثر الأمر على الأبناء أيضا عند إنجابهم. ويشير أحمد سراج الدين إلى أن «هناك من يدعم الزواج المبكر ويفضله وقد يكون السبب بعض الأفكار والمعتقدات منها:
حتى يكون فرق السن متقاربا بين الآباء والأبناء فيكون هناك صداقة تجمع بينهم بعكس التأخر في الزواج مما يشكل فجوة عمرية كبيرة بين جيل الآباء والأبناء.
*إشباع الجانب العاطفي من الصغر لأن الاحتياج العاطفي مع التأخير قد يعطل الإبداع والتركيز فالمتزوجون مبكرا أكثر قدرة على الإبداع والعطاء والحنان.
*عفة للبنات والشباب حتى لا يلجئون إلى أساليب أخرى غير مشروعة يشبعون بها رغباتهم.
*اعتقاد بأن الزواج المتأخر يعرض أصحابه لاضطرابات نفسية.
بحثت «الجزيرة» عن بعض التجارب الواقعية فوجدت من اعتبر تجربة الزواج المبكر مفيدة وناجحة خاصة أن أغلب الزيجات أنجبت أطفالا أصبحوا في سن الشباب وأصدقاء لآبائهم وهم مازالوا في عمر مبكر، فيما أكد بعضهم الآخر ندمه لخوض تجربة الزواج في سن المراهقة.
فرحت بالحفل ثم فوجئت بالخلافات الزوجية
تقول إيمان عاطف - ربة منزل - «نعم فرحت بحفل الزفاف وبالفستان الأبيض ولم أعرف ماذا ينتظر الفتاة بعد الزواج المبكر فتزوجت في سن الخامسة عشرة وتم طلاقي وأنا في الخامسة والعشرين كانت حصيلة هذه التجربة الفاشلة أربعة أطفال لم أستطع خلال السنوات العشر أن أتفاهم مع زوجي ولم أعرف كيف أوجّه أولادي، والآن أشعر أني امرأة عجوز وأنا لازلت صغيرة السن لأن اهتماماتي وتفكيري في فترة مراهقتي كانت مكبلّة بمسؤوليات وأعباء، الآن أولادي ليسوا معي بل مع والدهم وكم أتمنى ألا يحدث ذلك لابنتي». تقول السيدة هبة الله والتي تزوجت في سن مبكر وأنجبت أربعة أطفال أنها تحاول أن تثقف نفسها وتتعلم الأكثر وتضع كل مجهودها في تربية أطفالها لتكون تربية صالحة «رغم أنني أنجبت أولادي قبل أن أبلغ الثالثة والعشرين إلا أنني كنت أربيهم بالغريزة بدون تخطيط أو وعي أو تطبيق لمبادئ تربوية فتعلمت أكثر معهم مع مساعدة زوجي وتشجيعه لي والحمد لله أن الله وفقني بزوج جيد وأعتبرها نعمة لكنني أرفض أن تعيش ابنتي تجربتي لاختلاف الزمن والثقافة، لذلك ألزمها وإخوتها على متابعة دروسهم والاهتمام بالعلم أكثر وأصر على هذا الأمر حتى تصبح لأبنائي وابنتي شخصية قوية وثقة كبيرة بالنفس ويستطيعون من خلالها اتخاذ قراراتهم بوعي وفهم واقتناع وإدراك بالمسؤولية».
زوجوني صغيرة ليتخلصوا من عبئي!
من جهة أخرى تقول لولو خلف -مطلقة ولديها طفلان و تبلغ من العمر 35 سنة - أن صديقاتها تزوجن في عمر الثلاثين أو أواخر العشرينيات أما هي فتزوجت وهي في الصف الثاني ثانوي وكان عمرها 17 سنة آنذاك، وكان زواجها بسبب إصرار والدتها لتتزوج حتى تتخلص من تحمل أعبائها، وتؤكد أنها ستزوج ابنتها بعد أن تنهي المرحلة الجامعية وتتوظف، وأن الزواج المبكر له سلبيات أكثر من إيجابياته، وأن الأسر التي تزوج بناتها في سن صغيرة ما هو إلا تهرب من المسئولية.
أما خالدة السعيد فلها وجهة نظر مختلفة فهي أم لأربعة أطفال ومتزوجة بعد تخرجها من المرحلة الثانوية تقول: إن ما يميز زواجها المبكر أن أطفالها اليوم تعاملهم كأصدقاء لها ولا تحس بفارق عمري كبير بينهم، وأيضا أنها في عمر الأربعين تفرغت للسفر والترفيه.
وتخالفها مرام العمر موظفة ومتزوجة منذ أن كانت في الخامسة عشرة من عمرها تقول «كنت صغيرة جدا وتزوجت لم أحس بأنني عشت طفولتي، ولا تفاصيل مراهقتي مقارنة بنظيراتي من الفتيات، أكملت دراستي وأنا متزوجة وأم للأطفال، أجد دائما أن هناك ما ينقصني وينقص حياتي وأرجع هذا الموضوع إلى زواجي مبكرا».
اغتصاب للطفولة والنتيجة مراهقة متأخرة
وترى سعاد بنت فيصل التي تزوجت مبكرا أن الزواج المبكر اغتصاب للطفولة وحرمان من أجمل سنوات العمر وتكليفها كطفلة بمسئوليات كبيرة، قد تنعكس على حياة أطفالها ومستقبلهم، وتؤكد أن (المراهقة المتأخرة) التي يمر بها بعضهم ما هي إلا نتيجة لعدم التمتع بالسنوات الأولى بالحياة بشكل طبيعي.
زوجتها خوفا من غدر الحياة!
يقول محمد فرج يعمل محاسبا بشركة مقاولات «أنا من مؤيدي فكرة الزواج المبكر خاصة للفتيات لأن الفتاة مهما أخذت من شهادات ودخلت مجال العمل ففي النهاية مصيرها الزواج وتربية أبنائها وبالفعل أنا لدي ابنة زوجتها من سن الرابعة عشرة بعد وفاة والدتها خوفا عليها من غدر الحياة وهي حياة سعيدة مع زوجها ولديها الآن بنتان وولد «.
الحياة لا تتوقف على الزواج فقط!
ومن وجهة نظر المهندس عصام محمد : «بالرغم من نجاح تجربتي في الزواج المبكر وكرم ربنا علي بإهدائي زوجة أصيلة وأربع أبناء إلا أنني أرفض تطبيق هذه الفكرة على أبنائي لاختلاف الزمن والأفكار، كما أنني أشجعهم على تحقيق أحلامهم وذاتهم أولا فكل وقت وله أذان فالحياة الآن في حالة انفتاح وتطور دائم ولا تتوقف على الزواج فقط».
الزواج يحمي البنات من الانحراف!
يؤكد محمد السالم وهو موظف في جامعة الملك سعود أنه تزوج متأخرا إلا أنه سيزوج بناته في سن مبكر ويقول : «اليوم أبلغ من العمر خمسين عاما وأكبر بناتي عمرها 16 سنة، ويؤكد أن الزواج المبكر يحفظ الفتيات من الانحراف والانجراف خلف صديقات السوء».
يعود الدكتور أحمد ويؤكد أن الزواج المبكر لا شك في أغلب الأحيان فيه أضرار جسدية ونفسية، فالزواج بعد البلوغ مباشرة مثلا يعرض الطرفين إلى (الحرمان من طفولتهم وقتل براءتهم، والتخلي أو ربما التعثر في الدراسة وعدم الاستفادة الكاملة من التعليم) كما أن هناك أضرارا أخرى نفسية يتعرضان لها مثل:-
*الارتباط المُكبِّل وتحمل المسؤولية في سن صغير مما قد يؤثر على تربية الجيل الجديد فنجد أحيانا أطفالا يربون أطفالا.
*عدم النضج الفكري والعاطفي والجهل بمهارات الحياة للطرفين مما يؤدي إلى عدم فهمهم الصحيح للزواج وما معنى بناء أسرة وبالتالي نشوء خلافات تؤدي لانهيار هذه الحياة.
*قلة الخبرة بكيفية التعامل مع فترة الحمل والأمومة سواء للفتاة أو الشاب - الزوج- الذي لا يعي ما تمر به الزوجة وبالتالي لا يعي دوره ولا واجباته في هذه المرحلة.
*حمل الزوجة في سن مبكر قد يعرضها ( للإجهاض المتكرر، عدم اكتمال نمو الأجنة، الحمل خارج الرحم وضعف الإخصاب).
كما يرى الدكتور أحمد أن -في رأيه - من أهم الأسباب التي تدفع إلى الزواج المبكر:-
*الفقر والاحتياج فيلجأ الآباء إلى تزويج بناتهم في سن صغير تخلصاً من عبئهن ومن مسؤوليتهن.
*ارتفاع نسبة الأمية وعدم الاهتمام بتعليم الفتيات للاعتقاد بأن الفتاة مصيرها لبيتها ولزوجها.
*الاعتقاد بأن الزواج ضرورة اجتماعية تحمي الشباب ولابد منها مبكرا.