عقد في الشيشان مؤتمر تحت شعار «من هم أهل السنة والجماعة» حضره ممثلون عن الاشاعرة والماتريدية خصلوا فيه إلى أن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة في الفقه وأهل الحديث والتصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكية. كما اختصر مراكز السنة تاريخياً وجعلها في الأزهر والزيتونية والقيروان وحضرموت.
إن هذه التوصيات كانت متوقعة من مؤتمر أشرفت عليه مؤسسة طابة التي أسسها الحبيب علي الجفري (مؤسسة صوفية)، وبرعاية من روسيا التي تدعم الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف المعادي للتيار السلفي (الوهابية-زعم)، الذي تعهد بقتالهم، وإيران لم تكن بمعزل عن هذا المؤتمر مما يثير المخاوف بأن لامؤتمر يهدف إلى تعميق الخلاف بين السنة والفصائل الأخرى، ولا ندري لمصلحة من آثاره مثل هذه الخلافات في الوقت الذي تتربص بالأمة الدوائر؟!!.
وفي تصوري أن مخرجات هذا المؤتمر لم تكن موفقه بل هي ملفقة من حيث التاريخ والقفز على الأحداث فقد نصبت من لا يستحق وابعدت من يستحق عن مسمى أهل السنة والجماعة ولكن نسى هؤلاء أن الأشاعرة والماتريدية ظهرت بعد القرون الثلاثة المفضلة، ومؤتمر الشيشان أخرج تلك القرون من السنة والجماعة ما يقتضي بطلان تعريفهم للسنة والجماعة، كما أن هذا المؤتمر كشف عن مدى حقد هؤلاء على التيار السلفي، حينما وصفوه بالإرهاب ظنا منهم بأ، الوقت مناسباً لإقصائهم وإخراجهم من أي معادلة في ظل الحملة العالمية ضد الإرهاب ولكن هيهات فإن العالم ليس بهذه السذاجة التي يتعقدونها فالتيارات السلفية هي من أول ضحايا الإرهاب، فقد تعرض أفرادها للقتل كما تعرضت مساجدهم ومنشآتهم الدعوية إلى التخريب في عدة دول، بل المملكة العربية السعودية التي تمثل الدولة الوهابية كما يزعمون تعرضت للتفجيرات والتفخيخ من قبل الفرق التكفيرية، وتكاد تكون الدولة الأكثر استهدافاً من الدواعش والتكفيريين ولهذا لن تنطلي مثل هذه الشبه على العقلاء!!
كذلك هدف المؤتمر إلى حشد التأييد والمؤازرة لروسيا التي تقتل أهل السنة والجماعة في سوريا، حيث خلا المؤتمر من أي إدانة لروسيا التي تعربد في سوريا وتقدم المساعدة والدعم للنظام (العلويين) الذي يعيث فسادا، ويقتل العزل بدم بارد بطائراتهم الحديثة.
ولم ينس هذا المؤتمر في أن يكيل السباب والشتائم لشيخ الإسلام ابن تيمية ويصف كتبه ومؤلفاته بالتفريخ للتكفير والإرهاب -زعموا- وهذه المحاكمة ليست الأولى ولا الأخيرة فمن قبل اتهمه خصومه بذلك ولكن عجزوا في إثبات ذلك فكتبه ومؤلفاته ولله الحمد تشهد بوسطيته وأعتداله ويه بريئة مما يدعون!!
ولكن من أخطر توصيات هذا المؤتمر إلصاق تهمة الإرهاب والتكفير للمنهج السلفي والسعي لمحاصرته وخلق رأي عام بذلك حتى لا يتمدد ولا ينتشر ولا سيما أنه دين الفطرة والوسطية حيث وجد تجاوبا كبيرا من المجتمعات الإسلامية، كما أنه هدف إلى عزل المملكة العربية السعودية ومؤسساتها الدينية كمرجعية لأهل السنة والجماعة، ولكن سيخيب سعيهم لأن المملكة ومؤسساتها الدينية تحظى بمكانة خاصة في نفوس المسلمين في جميع أنحاء العالم.
وأنا في هذا المقال سأحاول أن أعلق على مصطلح أهل السنة والجماعة، الذي تم حصره في الأشاعرة والماتريدية وكذلك الذب عن عرض ابن تيمية الذي تعرض لتعدى سافر وهجوم غير مبرر من بعض أعضاء المؤتمر فأقول.
إن مصطلح أهل السنة والجماعة يتألف من شقين أهل السنة وسموا كذلك لأنهم متمسكون بها وسموا أهل الجماعة لأنه مجتمعون عليها. ولهذا لم تفترق هذه الفرقة كما افترقت فرق أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والروافض التي تفرقت وتشعبت إلى فرق وجماعات كثيرة، كل واحدة منها تلعن اختها بعكس أهل السنة والجماعة فهي مجتمعة على الحق وقد يحدث خلاف فيما بينها إلا أن خلافها يكون خلاف سائغ ليس فيا تضليل أو تبديع كما هو الحال بين أهل البدع، وإنما يتسع لها المنهج كاختلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربة ليلة الإسراء والمعراج، هل رآه بعينه أم لا وعذاب القبر وله يكون على البدن والروح أم الروح فقط فأهل السنة والجماعية متفقون من حيث العقيدة (الإيمان بالأسماء والصفات وذلك بإثباتها بعيدا عن التأويل والتعطيل والشتبيه والتفويض، والالتزام بتوحيد الالوهية وذلك بصرف العبادات لله عز وجل بعيد عن صرفها لغيره سبحانه كالدعاء والاستغاثة والاستعانة وغيرها من العبادات التي لا ينبغي صرفها لغير الله عز وجل، والالتزام بتوحيد الربوبية بعيد عن الالحاد واعتقاد الضر والنفع في غير الله9، والالتزام بمصادر التلقى المعتبرة (الكتاب والسنة والاجماع والقياس بعيدا عن الالهام والهواتف والرؤى المنامية، وأخبرني سيد الوجود، والعقل) وعدم التعصب للمذاهب الأربعة الذين اتفقوا على الأصول واختلفوا في الفروع، وإذا خالف قولهم الكتاب والسنة أخذ بالكتاب والسنة امتثالاً لقولهم (إذا صح الحديث فهي مذهبي) «مقدمة صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني».
«ولهذا من الصعب أن نقول إن الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة لأنهم مخالفون لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في إجراء صفات الله سبحانه وتعالى على حقيقتها ولهذا يخطئ من يقول إن أهل السنة والجماعة ثلاثة (سلفيون وأشعريون وما تريديون) فهذا خطأ. نقول كيف يكون الجميع أهل سنة وهم مختلفون فماذا بعد الحق إلا الضلال وكيف يكنون أهل سنة وكل واحد يرد على الآخر؟ هذا لا يمكن إذا إذا أمكن الجمع بين الضدين فنعم وإلا فلا شك أن أحدهم هو صاحب السنة فمن هو؟ الأشعرية -الماترودية- السفلية؟ ترى من وافق السنة فهو صاحب السنة ومن خالف السنة فليس بصاحب سنة.
فنحن نقول السلف هم أهل السنة والجماعة ولا يصدق الوصف على غيرهم أبدا والكلمات تعتبر بمعانيها للنظر كيف نسمي من خالف السنة أهل السنة؟ لا يمكن وكيف يمكن أن نقول هؤلاء ثلاث طوئاف مختلفة؟ نقول هم مجتمعون فأين الاجتماع؟
فأهل السنة والجماعة إذن هم السلف معتقدا حتى المتأخر إلى يوم القيامة إذا كان على طريقة النبي صلى لاله عليه وسلم وأصحابه فإنه سلفي. (شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين 1/ 33 - 34).
وقد يدخل الاشاعرة في مسمى أهل السنة والجماعة من مقابل الرافضة أو المعتزلة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية» (فلفظ أهل السنة يُرَادُ به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطائف إلا الرافضة، وقد يُرَادُ به أهل الحديث ولاسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر وغير ذلك من لاأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة) (منهاج السنة/ 2-221).
يقول أيضا في معرض حديثه عن ذم السلف لأهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم: (وإن كان كلامهم من الأدلة الصحيحة ومواقة لاسنة ما لا يوجد في كلام عامة الطوائف، فإنهم أقرب طوائف أله الكلام إلى السنة والجماعة والحديث، وهم يعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد لاتي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم ) «أنظر نقض التاسيس 2/ 87».
أن مما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية من إدخال الاشاعرة والماتريدية في مسمى أهل السنة والجماعة في مواجهة الرافضة والمعتزلة. يعد انصافا من اتباع منهج السلف وأهل الحديث وأن كان أصحاب المنهج السلفي لا يرون السكوت عن ما شأنه مخالفة مفهوم أهل السنة والجماعة في الاعتقاد ومصادر التلقي والموقف من المذاهب الأربعة الخ..
* ابن تيمية ودعاوى التكفير*
وبعد أن أوضحنا المعنى الصحيح لأهل السنة والجماعة نعرج بالحديث عن شيخ الإسلام ابن تيمية الذي تعرض لهجوم لاذع من بعض أعضاء المؤتمر حيث نعت بأن مؤلفاته وكتبه تفرخ للتكفير والإرهاب، وهذا اتهام لا يسنده دليل ولا برهان يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة)، مجموع الفتاوى ج3، 282، ويقول في موضع آخر: (نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك - لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين، إلا إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع) مجموع الفتاوى ج10، 372)، ويقول أيضاً: (التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع يبين هذا ان الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذا العمومات لم يكفروا أكثر من تلكم بهذا الكلام بعينه). «مجموع الفتاوى، ج 12، 487».
ومن ذلك نخلص إلى أن شيخ الإسلام ابن تيمية وأهل السنة والجماعة لا يكفرون المعين إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع ولهم ضوابط يصعب معها تكفير المعين ومنها:
1- لا تكفير إلا بإنكار ما هو معلوم من الدين وبالضرورة.
2- التكفير والتفسيق ونحو ذلك - لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع.
3- التمييز بين الكفر الأكبر الاعتقادي والكفر الأصغر العملي.
4- العذر بالجهل أي عدم تكفير من جهل أن قوله كفر أقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) رواه البخاري ومسلم.
5- لازم المذهب ليس يلازم شيخ الإسلام (ليس كل من تكلم بالكفر يكفر، حتى تقوم عليه الحجة المثبتة لكفره.. فلازم المذهب ليس بمذهب، إلا أن يسلتزمه صاحب المذهب، فخلق كثير من الناس ينفون الفاظاً أو يثبتونها، بل ينفون معاني أو يثبتونها، ويكون ذلك مستلزماً لأ/ور هي كفر، وهم لا يعلمون بالملازمة، بل يتناقضون، وما أكثر تناقض الناس لا سيما في هذا الباب، وليس التناقض كفراً) مجموع الفتاوى «ج5، 306 وج16، 461».
ومع هذه الشروط الصعبة التي وضعها أهل السنة والجماعة لتكفير المعين هل يقال عنهم انهم يكفرون المعين من الناس أو انهم تكفريون ما لكم كيف تحكمون؟!!
وبعد هذا البيان الواضح يتضح أن مقررات مؤتمر غروزني لم يكن علمياً ودقيقاً في توصيفه للتيار السلفي بالتكفير واخارجه من دائرة أهل السنة والجماعة وما بني على باطل فهو باطل، ولهذا ندعو كل من وقع على توصياته أن يراجع نفسه فإن فيه من التحامل والظلم على التيار السلفي ما لا يقره دين ولا عقل.