علي الصراف
تقول طهران إن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تحارب الإرهاب ما لم تتعاون معها.
الشيء نفسه تقوله دمشق التي يريد مسؤولوها أن يجعلوا من «محاربة الإرهاب» سبيلا لتسويق بقائهم في السلطة.
«محاربة الإرهاب» تتحول، بهذا المعنى إلى تجارة. تبيع من خلالها طهران شيئا، لتشتري بثمنه شيئا آخر.
ولكن ما بالك، إذا كان العالم كله يعرف، وليس الولايات المتحدة وحدها، أن الإرهاب، في وجهه الداعشي، ماركة مسجلة في طهران، وأنه صناعة محلية إيرانية، وأنه وُجد، تحديدا وحصرا، من أجل أن يتحول إلى بضاعة، تُباع لكي يُشترى بها شيء آخر.
انظر في الوقائع التي سبقت تحول تنظيم داعش إلى قوة كارثية، وستعرف من هم أولئك الذين مهدوا له الطريق، ومن هم أولئك الذين زودوه بالعدة والمال والعتاد.
تنظيم داعش في سوريا، كان في واقع الحال، من نتاج السياسة التي انتهجتها الحكومة السورية بتوجيه من طهران. وقضت هذه السياسة بإطلاق سراح أكثر المتطرفين عنفا من السجون، وذلك بينما تم سحق المعارضين المعتدلين من دون رأفة.
وبينما تزامنت هذه السياسة مع أعمال عسكرية غير مسبوقة استهدفت سحق المدن والبلدات التي نشأت فيها معارضة معتدلة، فقد تعمد النظام، تحاشي البلدات التي وقعت تحت قبضة داعش.
أما في بغداد، فقد كان النظام الذي يتولى قيادته نوري المالكي غارق حتى أذنيه في الفساد والفشل. وكان التغيير يطرق الأبواب من كل الاتجاهات. من داخل «العملية السياسية» ومن خارجها في آن معا. فماذا كان المنعطف: الانسحاب المخزي من الموصل، لكي تترك القوات التي يتولى المالكي قيادتها العامة، كل عدتها وعتادها، فضلا عن كل أموال البنوك في المحافظة، لتُصبح نهبا لتنظيم داعش.
قبل وقت طويل من ساعة الفرار تلك، كان هذا التنظيم، يشكل تهديدا ملحوظا في الموصل، إلا أن «لعبة» صنع الإرهاب، آثرت أن تبقيه قائما. ومثلما تم إطلاق سراح دواعش سوريا من السجون، فقد تم ترك دواعش الموصل يسرحون ويمرحون فيها.
لم تجتمع هيئة أركان عسكرية في طهران لتعلن تأسيس هذا التنظيم. ولكن تم تمهيد الأرضية، وتوفير كل المسلتزمات الضرورية لكي يعلن التنظيم عن نفسه بنفسه. كما تم توفير كل الاحتياجات اللازمة لكي يتحول إلى خطر داهم.
صنع الإرهاب، أثبت، مرة أخرى، أنه أعقد مما يظهر على السطح. وليس ذلك بخافٍ عن العالم. والولايات المتحدة التي صُدمت بتحول أسلحتها إلى أيدي الإرهابيين، وراعها تمكنهم من الاستيلاء على الآلاف من العربات الأمريكية المصفحة، لم تجد سبيلا لقبول هذا الواقع، ولكنها لم تتمكن في الوقت نفسه من مواجهة عواقبه فورا.
ساعتها، انقلبت الصورة في سوريا. فما كان صراعا بين شعب ونظام من أجل التغيير، تحول إلى حرب تزعم الحكومة السورية أنها تخوضها «ضد الإرهاب».
كما انقلبت الصورة في العراق أيضاً. فما كان انهيارا وشيكا لنظام المالكي، تحول إلى حرب مزعومة يخوضها هذا النظام «ضد الإرهاب» أيضاً.
اليوم، يريد صانع الإرهاب أن يقبض الثمن لمكافحته!
إنها تجارة. فلكي تكسب إيران دورا، ولكي يكسب النظامان التابعان لها في سوريا والعراق المزيد من البقاء، كان الثمن هو كل ما رأيناه من أعمال قتل وحشية على امتداد المسافة من الموصل إلى باريس. ويا لها من تجارة.