مما نحاول غرسه، بل وتعليمه لأبنائنا الطلاب الجامعيين مسألة بناء الحي السكني اجتماعياً، إذ لا يكفي البناء المادي، عَلى الرغم من أهميته، ومن أهم النواحي الاجتماعية الجانب الأمني للحي السكني.
ومن وسائل البناء الاجتماعي للحي السكني عدة أمور: التواصل بين الجيران، الذي يكاد ينحصر في المسجد، لم تعد هنالك ثمة ألفة بينهم، ولم يعد بقية أفراد الأسرة من زوجة وأطفال يتواصلون مع جيرانهم، ولا يمكن أن يعزز مفهوم المجورة السكنية إلا بالاتصال الاجتماعي، ليس فقط بين أرباب الأسر، بل لابد أن يتجاوزه إلى ربات البيوت للمؤانسة وتبادل المعلومات بينهن فيما يتعلق بالأمور المنزلية من طهي للطعام إلى تربية للأطفال.
كانت كل هذه الأمور موجودة وممارسة في المجورة السكنية، في الأحياء القديمة من المدن في الماضي، بل كانت من العادات الجميلة إرسال القهوة والتمر والشاي إلى الساكن الجديد من الجيران تعبيراً عن الترحيب به ومقدمة للتعرف عليه.. أما في زمننا هذا قلت أمثال هذه العادات بل انعدمت. وبالمقارنة بالمجتمع الغربي، الذي نصمه بعدم التواصل بين سكان المجورة السكنية، نجد أن لديهم ما يعرف «بعربة الترحيب» بالجار الجديد، وتلك عبارة عن أطعمة ترسل للجار الجديد من قبل جيرانه القريبين منه سكنياً، وانعدم في المجتمع المسلم مثل ذلك، على الرغم من أن ديننا الحنيف يحث ويؤكد على حقوق الجار، كما ورد في السنة المطهرة، فوا أسفاه على حالنا في زمننا هذا.
وجود المرجعية، المتمثّلة في مهمة العمدة في الحي السكني، أصبحت ضرورة ملحة لارتباط ذلك بالناحية الأمنية للمجورة السكنية.. وكان للعمدة حضور في الأحياء السكنية، في الماضي القريب، إلا أن تواجده تقلص تدريجياً، إن لم يكن اختفى، وبخاصة في مدينة الرياض.. وأحسب أنه لا يزال موجوداً في بعض المدن الأخرى مثل مكة المكرمة وجدة. ويكون من مهمات العمدة متابعة ما يدور في الحي السكني من تنقلات لساكنيه. والعمدة يعتبر ممثلاً للسلطة الأمنية في المجورة السكنية. ويكون على دراية بالسكان والانتباه لكل ما يلفت النظر أو يثير الشبهة.
ويعول على عمد الأحياء السكنية فيما يتعلق بأمور أخرى مثل النزاعات بين سكان الحي من مواطنين ومقيمين، وما يتعلق بدورهم الإنساني والاجتماعي لمعرفة أحوال سكان الحي وإيصال صوتهم إلى الجهات المختصة، مثل الشئون الاجتماعية والجهات الخدمية المتعددة. وهناك جانب مهم يتمثل بربط عمدة الحي بالمكاتب العقارية لمعرفة الحراك السكني داخل المجورة السكنية.
وباختصار أوجه النداء لسمو وزير الداخلية ولأمراء المناطق، -وفقهم الله جميعاً-، بتفعيل دور عمد الأحياء السكنية لتنعم مجوراتنا السكنية بالمزيد من الأمن والرفاه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.