أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - أثناء لقاءاته بالمواطنين "إنّ الأمن نعمة، وهو الأساس في رخاء الشعوب واستقرارها، وعلى الدوام أظهر المواطن السعودي استشعاراً كبيراً للمسؤولية، وشكّل مع قيادته وحكومته سداً منيعاً أمام الحاقدين والطامعين، وأفشل - بعد توفيق الله - الكثير من المخططات التي تستهدف الوطن في شبابه ومقدراته. ونقول لأبنائنا وبناتنا ولكل من يقيم على أرضنا: إنّ الأمن مسؤولية الجميع، ولن نسمح لأحد أن يعبث بأمننا واستقرارنا". وفي كلمة للملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - عند افتتاح فعاليات اللقاء الوطني للحوار الفكري، أكد المسؤولية الكاملة على كل مخلص من أبناء هذا الوطن وكل ذي لب، للتصدي لعوامل التنافر والشقاق والعداوات، سواء من العصبيات القبلية، أو النعرات الإقليمية، أو الاختلافات الفكرية، أو أي شكل من أشكال الغلو أو التطرف، إضافة إلى التأكيد على أهمية الحوار الهادئ المنظم الذي يرتكز على احترام الرأي الآخر، وإتاحة الفرصة لتبادل الرأي والمناقشة، في إطار من الوسطية والاعتدال والتعايش مع التنوع الفكري.
إن حياة الناس لا تستقيم إلا بالأمن والاستقرار وتحمل المسؤولية والتعايش بالإضافة الى تكريس الوسطية، والحوار الهادئ المقنع، لأن الانحراف عن الجادة بغلو أو جفاء، لا يكون معه العيش مستمراً، كما يجب علينا أن ننظر إلى قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) وعلى المسلم أن يكون رفيقاً في الإرشاد والوعظ، كما قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين}، كما يجب على المسلم أن يكون بصيرا في تفكيره ومقاصده، رفيقا في أطروحاته، متمسكاً بمنهج الدين الحنيف ووسطيته، مهما غلا الغالون، وهذا ما يدعو إلى المزيد من الاهتمام بهذا الجانب، وترتيبه وتنظيمه. فالفوضوية الفكرية، والمبارزات الإعلامية منبوذة، وليس لها موقع في شريعتنا الإسلامية، وصار التحزم بحزام الجدية، ونبذ الاختلافات الفكرية أو أي شكل من أشكال الغلو والتطرف في الأفكار، صار أمراً تفرضه المصلحة الوطنية، لأن ذلك يقفل الباب أمام أعدائنا، ويجعل الحكمة والهدوء والحوار الهادف البناء منهجنا وغايتنا التي بها نتجنب - إن شاء الله - الشقاق، وبها نبتعد عن الخلاف الذي لا تستقيم معه الأمور، ويخلخل وحدة الأمة ووحدة الكلمة، ولهذا يجب أن ننظر بعين ثاقبة، ونبتعد عن التعصب الفكري والقبلي، وسياسة الرأي الأوحد، وأجواء الصراع والنزاع، وأن نعمل على إجلال الحوار العقلاني، وإشاعة ثقافة التسامح التي هي من أهم القضايا وأكثرها حساسية، وهي أساس الاستقرار الذي لا يستطيع أي مجتمع أن ينمو ويتطور في جميع المجالات دونه. وأن المجتمع دون وحدته الوطنية المستظلة بالفيء الإسلامي، سيكون شراذم متحاربة، تتفشى بينهم الأمراض المهلكة من كل جانب، كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن الخلافات الجانبية تكون طبيعية وموجودة حتى في المجتمع الصغير "أفراد لأسرة الواحدة"، لذا ينبغي أن تسود المحبة والإخاء والتغاضي والتعاون والصبر، بين أبناء المجتمع وأن نوسع دائرة المشاركة في الحوار من جميع شرائح المجتمع، بحيث يستفاد من ذلك لدراسة القضايا الوطنية والتنموية والتربوية والفكرية المهمة التي تعالجها تلك اللقاءات، وتتيحكل من له رأي معين يرغب في أن يطرحه في ظل القوانين والقيم التي تحكمنا، وبما يخدم الصالح العام، بعيداً عن النزاعات الفكرية، وبالتالي فإننا نحقق وحدة الكلمة وقوة التلاحم والترابط.
ولا شك أن الأمن الفكري، يشكل الحصن الحصين، لحفظ شبابنا من غلو التطرف ونبذ وإقصاء الطرف الآخر، ومتى أعطي هذا الجانب الهام، المزيد من العناية والاهتمام، سوف تكون نتائجه بمثابة الدرع الواقي، لثقافة الكراهية، والتباعد والتناحر، وبث الفوضى والترويج للأفكار الهدامة، وبذلك يصبح الأمن الفكري أحد أهم متطلبات الاستقرار الاجتماعي والأمني، وحماية المكتسبات الوطنية والثقافية والأخلاقية، ويجب على الجميع الوقوف صفاً منيعاً ضد نشوء بيئة حاضنة لنمو التطرف الديني والمذهبي القائم على الكراهية والانتقام، وكل ذلك لا يصدر من بشر أسوياء يملكون عقولاً قادرة على التمييز بين الحق والباطل، بل لا بّد من إيجاد حلول وبدائل لمواجهة هذا الفكر المتطرف التكفيري، وليس أن نقف في خانة الدفاع، أو نحمل الأسرة أو مناهج التعليم أو جهات معنية بالتقصير، دون اتخاذ خطوات عملية وتشخيصية، تبنى على فكر ومناقشة وتشخيص دقيق، لمعرفة الأسباب والدوافع الحقيقية وكيف تربى هؤلاء بيننا، ثم خرجوا بهذا الفكر الذي يرى جواز القتل، وسفك الدماء، وترويع الآمنين، حتى في المساجد، وقتل من ينطق ويعمل بالشهادتين، إننا نحتاج إلى تجريم خطابات الكراهية والإقصاء. فنحن أمام مأزق حضاري فكري، يتطلب إعادة التركيز على علاقاتنا ببعض، ومع الطرف الآخر ومراجعة مضامين الخطاب الديني والإعلامي والتربوي والفكري، بحيث تصب جميعها في مصلحة تعايش الشعوب ورفاهيتها، وتطورها وأمنها، واستفادة بعضها من بعض في كل ما يخدم البشرية، نحتاج لمعرفة كيف استطاع أصحاب الفكر المنحرف إقناع الشباب وتعبئتهم ضد دينهم وأوطانهم للذهاب لساحات القتل والتدمير وفي نفس الوقت عجزنا عن إقناعهم بأن يكونوا بذرة نافعة لمجتمعها تعيش حياة كريمة آمنة.
إن الأمن الفكري يحتاج إلى أن نتحمل المسؤولية بأنفسنا ومعالجة مشاكلنا وأن نكون أكثر إيجابية مع أنفسنا ونقوم بالدور المطلوب منا كل حسب موقعه من أجل تعزيز القيم الإنسانية والوطنية والمجتمعية متوجاً ذلك بفضائل الدين الإسلامي الحنيف، الذي يحمي الإنسان، من الانحراف والغلو، وخصوصاً فئة الشباب من التعرض لغسيل الدماغ، وتفريغه من القيم، التي ترعرع عليها عبر مراحل وبرامج متنوعة، ليجد نفسه منقاداً لتلك الجماعات المتطرفة، ومندفعاً لتنفيذ ما يطلب منه، نحتاج إلى وجود خطة استراتيجية ينبثق عنها عدد من البرامج التوعوية والتربوية والدينية والاجتماعية والاقتصادية يشترك فيها كافة الجهات ذات العلاقة، بما في ذلك الجامعات ووسائل الإعلام، وفق منظومة متكاملة حتى توحد الجهود، وتضيق فجوة التعارض، والتناقض بين ما يتعلمه النشء في المدارس وخطب المساجد وبين واقع تصرفات بعض أفراد المجتمع، خلاف ما تعلموه وتربوا عليه، في صغرهم مما يحدث لدى بعضهم ردة فعل وقد يساهم في إيجاد توجهات وتجاذبات فكرية أو متطرفة.
لابد أن تنطلق برامج الأمن الفكري بكافة مصادره ومجالاته، من الثوابت والقيم الدينية والاجتماعية، والحقوق والمصالح العادلة، واحترام الأنظمة والتعليمات، ونشر ثقافة التسامح وتكثيف البرامج التوعوية والتبصيرية والتركيز على النشء في كافة مراحل التعليم والعمل على استغلال مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الحديث لتوجيه الشباب وتبصيرهم وحمايتهم من الكم الهائل من المعلومات المتدفقة عبر وسائل الإعلام الحديث، كما أنه من الأهمية بمكان العمل على إيجاد برامج ومشاريع تنموية واستثمارية وصناعية توفر آلاف الوظائف للشباب بالإضافة إلى تفعيل دور الجامعات تنموياً واجتماعياً وكافة مؤسسات المجتمع المدني، وإشراك المواطن في كافة مدخلات التنمية، والعمل الجاد على احتواء الشباب، وفتح المجال لهم للعمل والتجارة، وكل ما يشغل أوقات فراغهم بالنفع والفائدة، حتى لا يقعوا فريسة بيد صناع الإرهاب والمخدرات وأصحاب النعرات القبلية والاطروحات الفكرية المؤججة والمتشددة.