اهتم الإنسان منذ فجر التاريخ بإضفاء اللمسة الجمالية على كل ما حوله، إذ إن التعبير الفني من الحاجات الضرورية في تاريخ البشرية، وانعكس هذا الاهتمام في رسوم جدران الكهوف، والوشم، وكان الإنسان يزين رقبته ويديه بعقود وأساور من الأصداف والمحاريات وأسنان وعظام الحيوانات التي يصطادها.
والمتتبع لتطور الحياة البشرية يجد أن هذا الدافع ظل ملازماً للإنسان، فالجمال غريزة في نفسه والفنون بكل أنواعها برزت إلى عالم الوجود بوحي من النفس البشرية، وإلهام من الطبيعة.
والباحث في أصول الحضارات يجد أن الفنون الجميلة (رسماً أو نحتاً أو عمارة) هي الأسبق والأخلد والأرقى على مر العصور، من أي فكر إنساني آخر، فلولا تلك الإيداعات التشكيلية في المتاحف، والآثار، وجدران المعابد، لما عرفنا التاريخ، ولما وقفنا على أسرار الحضارة، ومسيرة التطور في شتى مراحل حياة الإنسان على كوكب الأرض.
وإذا كان العلم وليد حاجات الإنسان الضرورية يخضع لمقاييس العقل، وقوانين المنطق والحساب، فإن الفن من الناحية الأخرى هو وليد الانفعال، وتألق البصائر وثورة العواطف وهو ينطلق من نفوس الفنانين المبدعين في عفوية وسلامة، بشحنة وجدانية، تمثل الرسوم والزخارف على الأواني الفخارية، واللوحات الجدارية على جدران المعابد المصرية القديمة، وكذا الروائع الزخرفية من الخط العربي، والوحدات الهندسية والنباتية في العمارة الإسلامية، شواهد واضحة، على أن الرغبة في التجميل والإبداع تمثل حاجات إنسانية أساسية تتوق إلى الإشباع، تبعاً لفلسفة وثقافة كل عصر، « والإقلال من الحاجات الإنسانية، بمعنى إغفال النواحي المتصلة بالجمال، هو تهديد.