تابعت، كما تابع غيري من المواطنين، أحداث المواجهة الأخيرة التي حدثت في حي الياسمين في شمال مدينة الرياض، بين رجال الأمن البواسل وبين اثنين من أفراد الفئة الضالة اللذيَّن تنكرا لدينهما ولوطنهما، وحملا السلاح علانية في تحد صارخ لقيم المجتمع وأمنه وهيبته ودولته. والسؤال الذي تبادر إلى ذهني هذه المرة كما حدث من قبل: ماذا يريد هؤلاء الحمقى؟!
نحن نعيش - ولله الحمد والمنة - في بلد آمن مستقر تحت ظل قيادة رشيدة وفي أجواء من الوحدة الوطنية التي يندر مثيلها في عالمنا المضطرب. وبدلاً من شكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعم، والعمل على المحافظة عليها، والتكاتف مع قيادتنا لحماية الوطن من الأعداء المتربصين نجد وللأسف الشديد، من شبابنا من لا يزال في غيه مؤمناً بخرافات فكرية جاءت من خارج الوطن تسعى إلى تدمير مقومات الحياة الكريمة ونشر الرعب والفوضى في أنحاء البلاد، تحت مسميات ضالة وتنظيمات خبيثة صنعتها استخبارات الدول الكبرى لتحقيق أهداف سياسية ومطامع تاريخية لا علاقة لها بالدين ولا بتطبيقه، كما يزعم ذلك كذباً وبهتاناً قادة ومنظرو تلك التنظيمات الضالة المضلة.
إن مما يحز في نفس كل مواطن صادق غيور أن يصبح شبابنا أداة طيعة في أيدي أعدائنا، وقنابل متفجرة تعيش بيننا يحركها الأعداء كيفما يشاءون ويعبثون بحياتهم في سبيل الشيطان، ويلغون عقولهم التي منحهم الله إياها ويمارسون أعمالاً إرهابية ضد دينهم ووطنهم وأهليهم.
إن منظر الشابين اللذين قُتلا في المواجهة الأخيرة وهما يحاولان الهروب من رجال الأمن الأبطال، وقد طوقا جسديهما بالأحزمة الناسفة وحملا معهما رشاشات وقنابل، وهما يرتديان ملابس مدنية تعوق حركتهما، ليبعث على السخرية والشفقة معاً. فهل سيتمكنان من الهروب من الطوق المحكم الذي فرضه رجال الأمن عليهما بمجرد الجري في الشارع كالمعاتيه؟! وهل يعتقدان أن لديهما القدرة على مواجهة رجال أبطال مدربين ومسلحين حملوا أرواحهم على أكفهم دفاعاً عن الدين والوطن؟ أنها مواجهة خاسرة بكل المقاييس بالنسبة لهما وهما يعرفان ذلك حق المعرفة. وبدلاً من الاستسلام لنداء العقل الذي طلب منهما تسليم نفسيهما وإنقاذ حياتيهما، أصرا على إطلاق النار والمواجهة ففقدا حياتيهما في نهاية مأساوية محسومة سلفاً.
فما هي الفائدة التي جنياها من هذا العبث والحماقة التي لا يقدم عليها من لديه نصف عقل ولا بقايا دين ينهى عن قتل النفس البريئة وتخويف الآمنين والخروج على ولاة الأمر، وغيرها من الموبقات التي ارتكباها فنالا جزاءهما العادل أمام مرأى ومسمع من ملايين المواطنين والمقيمين، الذي هللوا وكبروا حمداً لله على أن مكَّن لرجال الأمن من هذه الشرذمة الفاسدة كما حدث من قبل، وكما سيحدث -بإذن الله- كلما تكرر هذا المشهد المؤسف من شباب حمقى لا يدركون عواقب ما يقومون به من أعمال، ويعيشون في ظل أوهام مريضة شُحنت في عقولهم تحت مسميات مضللة لا علاقة لها بدين ولا بعقل ولا بتصرف سليم.
وقد جاء في الأخبار أن أحد الإرهابيين كان طالباً مبتعثاً في نيوزلندا في بعثة رسمية على حساب الدولة - أيدها الله - فهل هذا هو الأسلوب الذي يكافئ به وطنه الذي علمه ورعاه حتى أصبح خبيراً في تصنيع المتفجرات؟ وهل هذه النهاية المأساوية هي ما كان يتطلع إليه ويطمح أن يحققه في حياته؟ وماذا حقق من إنجازات يستطيع أن يفتخر بها بين أقرانه؟ كل هذه التساؤلات تدل على أن ما قام به مع الإرهابي الآخر ومن سبقهما من أفراد الفئة الضالة، إنما هو نوع من الجنون العبثي الذي لا يعود بالنفع على صاحبه لا في دنياه ولا في آخرته. وإذا كانوا يعتقدون أن ما يقومون به من أعمال هو جهاد في سبيل الله فهم ورب الكعبة ضالون وواهمون. فالجهاد - ولله الحمد - معروف وله أحكامه وضوابطه التي يعرفها أغلب المسلمين. ولم يكن الجهاد في يوم من الأيام ضد الأهل وضد الوالدين وضد الوطن وضد الجيران الآمنين وضد المستأمنين وضد رجال الأمن الذين يقومون على حراسة الديار وحفظ الأمن والاستقرار.
الجهاد في سبيل الله مفهوم عظيم وضع لدحر الأعداء والدفاع عن بلاد المسلمين ونشر الدين، وفق ضوابط وآليات لا تتوفر لهذه التنظيمات الاستخباراتية القائمة على سفك الدماء البريئة وتخويف الآمنين ونشر الرعب والفوضى في كل مكان.
إن ما يحدث في الدول المجاورة لنا من أعمال إرهابية وحشية تتبناها بعض تلك التنظيمات لهو أبعد ما يكون عن الجهاد في سبيل الله، وهو أقرب ما يكون إلى الإرهاب الفوضوي العبثي الذي لا غاية سامية يحققها ولا فائدة مرجوة يبحث عنها. وهذا الخطر المحدق بنا يتطلب منا مضاعفة الجهود واليقظة الدائمة لمجابهته، والوقوف صفاً واحداً مع قيادتنا الرشيدة وأجهزة الأمن الوطنية في مواجهة هذا الخطر والقضاء عليه، بإذن الله وتوفيقه.
وما تلاحم المواطنين مع قيادتهم وفرحتهم بالقضاء على أولئك الأوغاد واحتفاءهم برجال الأمن البواسل، إلا دلائل على أن جبهتنا الداخلية - بحمد الله - أقوى من أن يخترقها عابثون تائهون لا يعرفون ماذا يريدون، ولا يملكون أدنى درجات الوعي لحسن التصرف ورد الجميل لوطنهم الذي لم يبخل عليهم بشيء، حتى أصبحوا رجالاً يشار إليهم بالبنان، فقابلوا الإحسان بالإساءة وتنكروا لكل ما هو جميل في هذا البلد المسلم العزيز.
وقد شاهد الجميع صورة سمو أمير منطقة الرياض وهو يطبع قبلة حانية على رأس أحد رجال الأمن الذين شاركوا في المواجهة، في لقطة رمزية جميلة تعبر عن التواضع والوفاء وتؤكد أن قيادة هذا الوطن الأبي ومواطنيه ورجال أمنه والمقيمين فيه يقفون صفاً واحداً ضد كل مهددات الأمن والاستقرار مهما كان مصدرها ومهما كانت الجهات التي تقف خلفها.
ولعل في ما حدث وشاهده الجميع درساً لمن بقي من أفراد هذه الفئة الضالة، فيعودون إلى رشدهم ويصححون ما في عقولهم من أفكار هدامة وتخيلات مريضة، ويندمجون في المجتمع أعضاء صالحين ومصلحين كما أراد الله سبحانه لهم أن يكونوا، وكما هو واجبهم وواجب كل مواطن حيال ما ننعم به جميعاً من خير وأمن واستقرار.
حفظ الله على هذا المجتمع المسلم الآمن أمنه ورخاءه واستقراره تحت ظل قيادته الرشيدة ورجاله الأوفياء، ورد كيد الأعداء في نحورهم، وكفانا شرهم ومكرهم، وجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين.
- وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد للمطبوعات والبحث العلمي