اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
كل موظف مهما طال أجله، وأمتد أمله، لا بد أن ينتهي به مشواره الوظيفي إلى التقاعد، وكما هو مطلوب من هذا المتقاعد أن يترك بصمته، وأن تشهد سيرته على إنجازاته وسجل خدمته، وأن يبقى ذكره، ويتكرر على الألسنة شكره، فإنه بالمقابل مطلوب من الجهة القائمة عليه وهو على رأس العمل أن تأخذ بيده في الاتجاه الصحيح، وأن تجعل منه بعد إحالته إلى التقاعد رديفاً منتظراً واحتياطياً فاعلاً وسلفاً صالحاً لخلفه العامل، وأن يعلم هذا الخلف أن لذة الجديد لا تكتمل إلا بمراعاة حرمة القديم.
ونظراً لحساسية الأوضاع الراهنة، وبما أن الأمن الوظيفي يشغل حيزاً كبيراً من الأمن الاجتماعي الذي هو أحد أبعاد الأمن الوطني، فإن الإحالات إلى التقاعد إذا ما تجاوزت حدها الأدنى، وبُنيت على أسس غير عادلة سوف يتداعى لذلك كثير من المنغصات التي لها تأثيرات سلبية على الأمن الاجتماعي، وبالتالي التأثير على الأمن الوطني، ومساهمة هذه الإحالات في الحد من البطالة يقابله خلق بطالة من نوع آخر، علاوة على ما تولده من مشاعر الإحباط والسخط لدى شريحة من المحالين إلى التقاعد، وما يترتب على ذلك من انعكاسات ضارة ذات سمة اجتماعية وطابع أمني.
والموظف سواء في الخدمة المدنية أو العسكرية يبحث عن ما يرفع معنوياته، لا ما يثبطها، والإحالة إلى التقاعد مدعاة إلى التثبيط بالنسبة للبعض، ما لم يسبقها ويصحبها إجراءات نظامية ومبادرات قيادية تضع الأمور في إطارها الصحيح الذي يؤكده سجل خدمة الموظف، وتؤيده مبررات الإحالة إلى التقاعد، بما في ذلك إيضاح الحقائق ووضع المُحال في الصورة الصحيحة التي تجعل من إنهاء الخدمة أمراً طبيعياً ينتظره كل موظف.
والاهتمام بالموظف وهو على رأس العمل والطريقة التي يعامل بها يجب أن ينسحب ذلك على الكيفية التي يتم بها إنهاء خدمته، حيث إن الاهتمام بالعامل لا يتوقف عند خروجه من الخدمة، بل يستمر هذا الاهتمام بشكل يخدم المتقاعد ويتفق مع طبيعة حياته الجديدة، لأن الاهتمام بالمتقاعد يعني الاهتمام بالعامل الذي يشعر من جراء هذا الاهتمام براحة البال والاطمئنان على حسن المآل، مؤمناً بأن الإحالة إلى التقاعد يحكمها إجراءات نظامية عادلة، وتخضع لمعايير مفاضلة منصفة ينتقل المحال إلى التقاعد بموجبها إلى حياة جديدة، يكون مستقبله فيها مضموناً، مما يزيد من إقباله على العمل ويوفر له فسحة من الأمل.
والإحالة إلى التقاعد بالنسبة للعسكريين ذات طابع خاص بسبب ما تنفرد به المهنة العسكرية من خصوصية تميزها عن غيرها، فاحتراف المهنة والإقبال عليها والتفرغ لها والإخلاص نحوها لن يتحقق ذلك إلا عبر التشجيع ورفع المعنويات، والعسكري أحوج ما يكون إلى هذا التشجيع والشحن المعنوي، إذ إن الشرف المهني والوطني المرتبط بالخدمة العسكرية والتضحيات المطلوبة من المنتمين إليها وطبيعة العمل فيها، بقدر ما ينعكس ذلك على أهمية الالتحاق بها، يُلقي بظلاله على كيفية الخروج منها، مما يضفي شيئاً من الحساسية على عملية الإحالة إلى التقاعد على نحو يضع المسؤول في المعترك والإجراءات المتبعة على المحك.
وتأكيداً لما سبق فإن ثمة عوامل ميزت الخدمة العسكرية وأضفت عليها شرفاً مهنياً ووطنياً، يستحق معه المنتمون إليها اهتماماً خاصاً منذ الالتحاق بالخدمة العاملة وحتى الخروج منها، وتتمثل هذه العوامل في طبيعة الخدمة العسكرية والمهام الأمنية والقتالية المطلوب من العسكريين القيام بها، وذلك لحماية الدين والدفاع عن الوطن والمواطن إضافة إلى تنوع التخصصات المهنية وتعدد المهام الأمنية والعسكرية وخطورتها، وزيادة على ذلك فإن المؤسسات العسكرية تشارك مشاركة فعالة في المناسبات الوطنية، وتلعب دوراً بارزاً في المجالات الثقافية والحضارية، وقد راعت الأنظمة المعمول بها هذه العوامل، كما قدمت اللوائح التنفيذية المنظمة لهذه الأنظمة مرشداً تنفيذياً يستطيع بفضلها المسؤولون التعامل مع المحال من الخدمة بشكل يجعل إجراءات إحالته تتم بصورة مرضية بعيداً عن ما يجلب له الإحباط، ويؤثر سلبياً على معنويات العاملين الذين لا يزالون على رأس العمل.