«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كم كنت مشتاقاً إلى وطني.. وفرصة أن أعود إليه خلال إجازة نهاية العام.. قضيت أياماً عدة للتحضير للعودة ولشراء ما أستطيع شراءه من هدايا لأشقائي وشقيقاتي. ورغم أن ما أشتريه موجود وبكثرة في مختلف أسواق المملكة، ففيها - ولله الحمد - في السنوات الأخيرة مختلف الوكالات لأشهر الماركات والعلامات التجارية. لكن وكما يقال في المثل العامي (لقمة بره لها طعم آخر). لا أنسى ومنذ اللحظات الأولى لقرار السفر وأحبتي زملائي كانوا معي خلال التسوق بل بعضهم كان يشير إليَّ التوجه لهذا السوق الشهير ففيه سوف أجد كل ما أرغب في اختياره كهدايا وبأسعار معقولة جداً. ولا خوف في نوعية البضائع المعروضة في أسواق أمريكا، فهي تتميز - والحق يقال - بجودتها العالية وتميزها نظراً لخضوعها لرقابة صارمة من إدارة (حماية المستهلك). ويا ويله وسواد ليله لو اكتشف المستهلك بضاعة مغشوشة من هذا المتجر أو ذاك المعرض، فهو باستطاعته أن يرفع عليه قضية ويكسب فيها ملايين..؟! لقد مضت عليَّ سنتان في الجامعة التي أدرس فيها في ولاية بنسلفانيا، وكانت الحياة والدراسة هنا تجربة ممتعة حقاً، حيث يتوفر للطالب القدرة على التفكير والدراسة والتحصيل بيسر وسهولة كيفما يشاء من دون أي عائق.؟! إذن ومنذ الأيام الأولى لالتحاقي بالجامعة فقد كونت صداقات مع زملاء من وطني وآخرين من أمريكا ودول أخرى.. وفي الواقع الأمر لم يكن لي أصدقاء بالمعنى الدقيق للصداقة إلا زملاء الدراسة والمعرفة داخل الحرم الجامعي، كنت أشعر بالسعادة وأنا في طريقي من سكني القريب من الجامعة عندما أشاهد بعضاً من زملائي وهم يمرون في طريقي متجهين إلى الجامعة وهم يلوحون لي من فوق دراجاتهم وتعلو على وجوههم ابتسامات لا أروع.. والشيء نفسه كنت أشاهده في قاعات الدراسة أو في مكتبة الجامعة الكبيرة والواسعة أو خلال بعض الفعاليات التي كنا نتشارك معاً في نشاطاتها. وكم كنت أحاول أن أصف لوالدي عبر محادثتي له عبر (السكايب) جوانب من حياتي في بنسلفانيا، وكيف للدراسة فيها طعم مختلف، وكيف نقضي الوقت ما بين الدراسة والاستمتاع باللهو البريء عبر الجولات الاستكشافية في هذه الولاية الكبيرة والواسعة.. بل والتاريخية، فأمريكا كدولة انطلقت وتأسست من عاصمة ولايتها (فيلادليفيا) في القرن 17- بل إنني وكعاشق للفنون رحت أصف له زيارتي لبعض متاحفها الشهيرة ومعالمها الجميلة وبحيراتها المتعددة الساحرة.. ؟! عندما وصلت إلمطار الملك فهد بالدمام كنت محملاً بأكثر من حقيبة بل دفعت مبلغاً إضافياً لزيادة الوزن في مطار جون كنيدي بنيويورك بفضل هدايا الزملاء الأحبة الذين كلفوني بتوصيلها لأهاليهم بالشرقية والأحساء.. ماذا أفعل أسقط في يدي، فهذه عادة الزملاء والمعارف فرصة أن يحملوا معهم هدايا زملائهم.. في مساء اليوم التالي لوصولي قررت أن أقوم بتوصيل هدايا الزملاء، وبالمصادفة كان والدي أيامها خارج المنطقة في مهمة، وسيارة الأسرة لم تكن موجودة ساعتها وكانت الساعة العاشرة ليلاً، خرجت من البيت واتجهت سيراً على الأقدام لإيقاف سيارة أجرة.. وتذكرت لحظتها أنه بدأت شركات أجرة عالمية وحديثة تقوم بهذه الخدمة.. بعدها لم أتردد وأنا أسير بالقرب من الكورنيش الرائع أن أطلب خدمة إحدى السيارات.. ولم تمض دقائق إلا وسيارة شركة شهيرة تقف إلى جواري وكانت سيارة صالون أمريكية.. ركبت في المقعد الخلفي وطلبت منه العودة إلى منزلي ورحت أخبره أنه قريب جداً من هنا. وطلبت منه العودة إلى بيتنا حتى أحمل معي (الهدايا)، فرد عليَّ السائق «أعرفه.. بيت بابا فهد». فتعجبت كيف عرف بيت الوالد..! وتذكرت لحظتها أن السائق هو سائق جيراننا.. ومددت رقبتي بصورة كاريكاتورية لأتمعن أكثر في ملامحه وإذابه حقيقة سائق الجيران رغم (البريه) التي كان يضعها على رأسه، فلم أترددد أن أساله هل: تركت العمل عن بيت بوناصر؟ وقال بكل ثقة «لا حبيبي أنا شغل (ففتي ففتي) مع بابا ناصر، أنا يعمل من الساعة التاسعة حتى الصباح، هو شريك معي بسيارته وأنا بتعبي». وأضاف وهو يهز رأسه هذا «عمل كثير فلوس.. خير كثيررر».. وراح يشرح لي بالإنجليزية أن الكثير من السائقين بدؤوا في العمل بطريقة مباشرة وغير مباشرة في هذه الشركات.. وأن دخلها اليومي للمجتهد فيه مكسب كبير جداً.