نجيب الخنيزي
انطلقت الثلاثاء 17 يناير من الشهر الجاري في سويسرا أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس في دورته الـ47 بمشاركة نحو ثلاثة آلاف زعيم ومسؤول سياسي واقتصادي ليبحثوا أهم القضايا العالمية.
وينعقد المنتدى هذا العام تحت عنوان «زعامة دقيقة ومسؤولة»، وسيبحث المشاركون خلال جلسات المؤتمر، التي يتجاوز عددها 400، موضوعات اقتصادية واجتماعية، كتعزيز التعاون العالمي، وإحياء النمو الاقتصادي، والتطور السريع في المجتمعات..
وقد شارك في المؤتمر أكثر من 1000 مدير شركة، ونحو 30 رئيس دولة وحكومة، أبرزهم رئيس الصين، شي جين بينغ، ورئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إضافة إلى رؤساء ومديري منظمات دولية مرموقة مثل صندوق النقد الدولي، والأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، كما من المقرر أن يلقي الرئيس بينغ، وهو أول رئيس صيني يشارك بالمنتدى منذ تأسيسه في عام 1971، كلمة أمام صانعي القرار السياسي والاقتصادي في العالم، يستعرض خلالها نظرة بكين نحو العولمة الاقتصادية، ولا سيما بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وصعود الحركات القومية - الشعبوية في أغلبية الدول الرأسمالية الغربية.
ينعقد المنتدى هذه السنة في ظل العداء المتزايد من جانب أقسام كبيرة من الشعوب الغربية حيال العولمة، ولا سيما بين طبقات وسطى وفئات شعبية مهمشة ومحبطة تعاني من تراجع أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، محملة المسؤولية في ذلك لنظام العولمة وهيمنة الطغمة المالية - الصناعية، وفساد الطبقة السياسية المهترئة، لذا رأيناها تصوت بكثافة لحركات وشخصيات قومية شعبوية كما هو الحال مع ترامب في الولايات المتحدة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتصويت السلبي في إيطاليا على مشروع رئيس الوزراء الإيطالي، كما وتهدد بنقل العدوى إلى فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى.
على هذه الأرضية وإدراك مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شفاب لهذه القطيعة بين النخب والطبقات الوسطى، لذا نظم اللقاء هذه السنة تحت شعار «مسؤولية القادة» داعيًا إلى البحث عن «الأسباب خلف غضب الناس وعدم ارتياحهم».
غير أن أزمة العولمة لا تمس شعوب البلدان الرأسمالية المتطورة فقط، بل تطال في المقام الأول الأغلبية الساحقة من الدول في قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومن بينها بالطبع البلدان العربية التي يطلق عليها بشكل مخاتل «البلدان النامية».
بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وما كان يعرف بالمنظومة الاشتراكية، فإن الآليات المختلفة لنظام العولمة، المتمثلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية تمثل القاطرة التي تقودها عمليًا الشركات العملاقة متعددة الجنسية (500 شركة كبرى)، التي ينتمي جلها إلى المراكز الاقتصادية الكبرى (الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان) إلى جانب الاقتصاديات الصاعدة الجديدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يوجد ترابط بين مفهومي العولمة والنظام العالمي الجديد سواء في مرحلة القطب الأحادي الأمريكي، أو في مرحلة النظام العالمي متعدد الأقطاب في المرحلة الراهنة، الذي يجري التطرق إليهما والتنظير لهما من منطلقات ودوافع وأهداف متباينة؟ وبالتالي ما هي حدود الوحدة والتطابق، وحدود الفرقة والابتعاد، بين كلا المفهومين اللذين يتضمنان مدلولات اقتصادية وسياسية واجتماعية، وثقافية وقانونية، تعكس مدى التداخل والتشابك والالتباس الذي يكتنف هذه العملية ذات الاتجاهات المتناقضة، ثم ما إمكانية إيجاد حلول للمشكلات «المزمنة» التي اتخذت صفة كونية، تهم جميع البلدان، والتجمعات، والشعوب، في آن معًا؟ أخيرًا هل هناك مخرج آخر ترى فيه الإنسانية والشعوب بارقة أمل ونور في نهاية النفق المظلم الذي ترى نفسها فيه؟ وتشير هنا إلى تفاقم سلسلة من الأزمات البنيوية الحادة التي تعاني منها في المقام الأول ما تعرف ببلدان العالم الثالث، أو البلدان النامية، أو بلدان الجنوب لاختلاف مناهج التحليل الاقتصادي والسسيولوجي، ونذكر هنا استفحال الفساد والفقر والبطالة والمجاعة والمديونية والأمية والمرض، واتساع الفجوة التكنولوجية والعلمية والاقتصادية، بين مراكز الاستقطاب العالمي من جهة، وبين الأغلبية الساحقة من البلدان والمجتمعات (الجنوب) الأخرى جراء فشل السياسات الاقتصادية والإنمائية، والاجتماعية وغياب أو ضعف مؤسسات المجتمع المدني، وتفاقم مخاطر البيئة والتلوث والتصحر، وانتشار بؤر الصراع، والعنف ذات الطابع الإثني والعرقي والديني والمذهبي، وما يصاحب ذلك من معاناة إنسانية، تطال جل البلدان والمجتمعات التي رزحت طويلاً تحت الهيمنة الاستعمارية المباشرة سابقًا والهيمنة السياسية والاقتصادية لاحقًا، وهو ما نشاهده في عديد من بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ومن بينها بل وفي مقدمتها الدول العربية، الذي أدى إلىصرع وتشريد وتهجير عشرات الملايين من البشر، إلى جانب انعدام أبسط مقومات الحياة الإنسانية، من عمل وغذاء وسكن وصحة وتعليم.
للحديث صلة