د. خيرية السقاف
حيث يكون الإنسان تكون بالقرب منه..
ما عافه ألقاه فيها, وما استهلكه أودعها بقاياه,
أوعيته التي تفرغ من عطره, وعصيره, وزيته, ومائه تستقبلها بلا ضجر,
قشور فاكهته التي التهمها في لحظة اشتهاء, وبذوره التي تلهى بلبابها في وقت استرخاء,
أوراقه المهملة بسطورها, الشاحبة بفراغها, المحبرة بما كان يستذكر, أو يعبر, أو يستشهد,
هي مآلها حين تفرغ حاجته إليها.., عند الطبيب, وفي المختبر, وجوار البنائين, وفي فصول الدرس, وقاعاته..
تنتشر في الأزقة, والطرقات, والممرات, وفي البيوت تتباهى بأشكالها, وألوانها, وخاماتها الحجرات, والردهات, والمكاتب,
لا تخلو منها المطابخ في البيوت, والمطاعم, ولا الطائرات, والعربات,
في كل مكان تنتصب بصمتها تستقبل بقايا الإنسان..
هي أوعية تكبر بقدر الحاجة إليها, وبمكان الاستخدام لها..
وحين أشرع الإنسان فضاءه, وأبحر في اتجاهاته, وألقى فيه ذاته, وتواصل عنه بما يكتب, وانزوى فيه بما يطلع, وأسمع غيره ما يقول, وكشف لغيره ما يفعل, بصوته, وصورته, وفكره, ورأيه, جعلها في أول قوائم «شاشة حاسوبه», وأحدث لها مكانها في بريده الإلكتروني, ومواقع تفاعله المختلفة..
سلة نفاياته رفيقته التي لا غنى عنها,
هي وعاء الشواهد نافذة الصوت على الإنسان,
في تكريسه لوجودها حيث يكون, ولأي غرض تكون ما يوغل في تفاصيل هذا الكائن البشري مع كل ما هو قابل للانفصال عنه يحسبه بقايا, وهي شواهد..!!
ترى لو تنطق هذه السلال أتفضي بمكنونها؟!..
ما تقول عن نزقه, وترفه, وتسرعه, وسوئه, وجشعه, وسهوه, وتفريطه, ومزيده, وتقلبه, ونكرانه, وكذبه, وطمعه, عن تطلعاته, وأحلامه, وشراهته, ونكرانه؟!
ما تكشف عنه هذا الإنسان المستهلك ليس المادة باختلافها، بل القيم تلك التي تحملها سطور في ورقة يمزقها, أو نوع من أقنية معلومات باختلافها يتلفها ليتحرر منها فتستقبلها إليها!!..
هي هذه سلة المهملات مرجع رئيس لمعرفة الإنسان إن تكشف عما بداخلها, ترى كيف سيتعرف نفسه؟!!..
بينما هو يهملها, لا يلقي باله إليها, ولا يسمعها..
هي عنده مجرد سلة مهملات, بينما هي مستودع شهود, وشهادات!!....