محمد سليمان العنقري
قال معالي وزير المالية الاستاذ محمد الجدعان لقناة «سي أن بي سي» الأمريكية خلال مشاركته في مؤتمر دافوس، أن المملكة لن تحتاج في 2030 لإيرادات النفط لتغطية الميزانية، مشيرًا إلى أن خطة السعودية تهدف إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص بـ65 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030م وهو العام الذي تستكمل فيه تفاصيل رؤية المملكة الاستراتيجية، كما أوضح الوزير بأننا نعيش عصر الكفاءة وليس التقشف وأن القدرة الشرائية للمواطن ما زالت قوية رغم تأثرها بالعام الماضي لكنه يتوقع عودة القوة لها بنهاية هذا العام مع تطبيق برنامج حساب المواطن الحكومي الذي سيدعم ذوي الدخل المتوسط والضعيف.
مما لا شك فيه أن الرؤية حملت تفاصيل للتوجهات الاقتصادية لمدة خمسة عشر عامًا وتهدف للانتقال لمرحلة الإنتاجية وتغيير الأدوار ليكون الجهاز الحكومي مشرفًا ومنظمًا ويتولى بعض البرامج الاجتماعية بينما سيكون الدور الأكبر اقتصاديًا للقطاع الخاص وهو ما يعكس النسبة التفاؤلية التي شدد الوزير على ذكرها بالمقابلة التي سيمثلها القطاع الخاص بالناتج المحلي عند 65 في المائة وهي المذكورة بالرؤية كهدف استراتيجي، لكن هل القطاع الخاص جاهز ليحقق ذلك الدور والنسبة المستهدفة له بالناتج المحلي؟ الجواب على هذا السؤال بالتأكيد «لا» وهو ما يؤكده وجود برنامج تحول ومبادرات لتهيئ القطاع الخاص للدور الكبير المنشود، وبذلك فالسؤال الأهم يصبح هل ستنجح عملية تأهيل القطاع الخاص ليلعب هذا الدور وما الآليات التي ستتبع لتحقيق ذلك؟.
المعطيات الأولية تقول: إننا عند النظر لتطوير القطاع الخاص فإنه عمليًا غير مستعد لتحمل التغييرات السريعة بتكاليف الإنتاج خصوصًا مدخلات الطاقة وما كان يعد ميزة له تحقق أرباحًا سهلة بانخفاض أسعار الطاقة واللقيم والوقود وأيضًا انخفاض الرسوم على عديد من الخدمات التي يستفيد منها كرسوم رخص العمل للعمالة الوافدة، لكن بالمقابل فإن استمرار أنواع الدعم القائمة منذ عقود لا يبني قطاعًا خاصًا تنافسيًا يمكن له أن يكون منافسًا للسلع المستوردة للسوق المحلي أو للتصدير مما يعني أن التحول بالأداء التشغيلي للقطاع الخاص مسألة ليست اختيارية، بل ضرورة ليبقى مع الانفتاح العالمي والعولمة الاقتصادية وأيضًا ليتخلص من الاعتماد على الإنفاق الحكومي الذي مثل لعقود الأساس الذي يحرك النمو الاقتصادي مما يجعل معدلاته تمر بتذبذبات حادة وبفترات زمنية قصيرة تنعكس سلبًا على التنمية المستدامة وتوفير فرص العمل التي يتأثر بها القطاع الخاص سلبيًا لأنه يتكل على مصدر واحد بالإنفاق والنشاط أي تصبح عملية النمو والنشاط للقطاع مرهونة أكثر بأسعار النفط وما تنعكس به على خطط التنمية الحكومية.
فالحقيقة أن القطاع الخاص ليس جاهزًا للتحول السريع بتكاليف الإنتاج وعملية بناء قطاع خاص جديد شبه مستحيل خلال مدة زمنية قصيرة فالمنشآت الحالية اعمار الكثير منها عقود طويلة وبصفة عامة فالمنشآت قديمها وجديدها اعتادت على أسلوب عمل وجدوى اقتصادية وظروف شبه ثابتة بتقدير التكاليف.. الخ يستحيل تعديلها كفكر أو مفهوم أو نمط عمل خلال عقد أو حتى عقدين بصفة عامة وهذا ما يطرح السؤال على معالي وزير المالية وأي جهة اقتصادية أخرى كوزارة التجارة وكذلك الطاقة ووزارة الاقتصاد والتخطيط، هل تم وضع خطط محكمة لقياس أبعاد المتغيرات التي أقرت بخطة التوازن المالي وكذلك الخطة الاقتصادية التي أوضحت المتغيرات خلال السنوات القادمة حتى 2020؟.
فالوصول لقطاع خاص يمكن أن يمثل ثلثي الناتج المحلي ويغذي الخزينة العامة للدولة بأغلب إيرادتها سنويًا يعني أن النمو ذاتي للقطاع بالاقتصاد والإنفاق الحكومي سيتقلص دوره كثيرًا بما يعني أنه لو وصل الناتج المحلي الإجمالي عام 2030 إلى 5600 مليار ريال كما يتوقع من بعض الدراسات كالتي أطلقها «ماكنزي» فسيكون حجم ما يتحقق من القطاع الخاص نحو 3800 مليار ريال فكم حجم الاستثمارات التي يجب ضخها ليكون بحجم قادر على تحقيق هذه الأرقام الكبيرة وهل يمكن له أن يستوعب التكاليف والتغيرات بسنوات قليلة وما قدرة المبادرات الحكومية التي اعتمدت لتحقيق تلك الأرقام فحجم المتغيرات الاقتصادية كبير جدًا سواء بالتغيرات المحلية أو العالمية ولذلك فإن تقييم القدرة لإمكانية أن يحقق كل هذه التحولات ليكون هو المحرك للنمو الاقتصادي بهذا الحجم الضخم ليس من حيث الأرقام بل بحجم الإنتاج المبني على معايير حديثة وتقنيات عالية وفرص استثمار ناجحة هي الأساسيات لتقييم واقع القطاع وإحتياجياته للتحول الآمن.
الهدف من الوصول بالقطاع الخاص لهذه النسبة العالية من الإنتاجية والدور الكبير بالتأكيد ركيزة أساسية للتنوع الاقتصادي المطلوب لكن أن يكون ذلك مبنيًا على قراءة وخطط واضحة تأخذ كل العوامل بعين الاعتبار خصوصًا السلبية التي تشكل التحديات والمخاطر يبقى هو مفتاح النجاح يا معالي الوزير الذي مفاتيحه بيد كل الجهات ذات العلاقة من دون استثناء ويعتمد أيضًا بما يخص وزارة المالية بالإطار العام لتطوير إدارة التدفقات النقدية بالاقتصاد وأسواق الدين وما يمكن للجهات الأخرى أن تقدمه من المرونة بالأنظمة وتقليص البيروقراطية فهذا التحول بقدر ما يحمله من إيجابيات محتملة ومنتظرة إلا أنه يحمل مخاطر كبرى بإنهاك لأغلب منشآت القطاع الخاص إذا لم تحسب إمكانيته ببرنامج «اختبار تحمل» شديد بمعاييره حتى يتم تقليص الآثار السلبية وتحجيمها وإعطاءه المدة الزمنية الكافية ليكون قادرًا على التطور ولعب الدور المطلوب منه حتى لو زادت المدد المقررة حاليًا للتحول لأضعاف الحالية فالكاسب هو الاقتصاد ونجاح تحقيق أهداف الرؤية بما يخص الاعتماد على القطاع الخاص.