د. عبد الله المعيلي
من السمات السيئة التي أجزم أنها بغيضة في كل الثقافات وعند كل الشعوب، لكونها تتنافى مع الفطر البشرية عمومًا، وفي ثقافتنا العربية الإسلامية تعد من المحرمات التي لا يتسم بها إنسان مسلم سوي، سمة السخرية سمة تتسم بها شخصية بعض البشر، فالسخرية من الآخرين والاستهزاء بهم تجدها دائمًا عند أناس لا يستحون، طبائعهم ذكر المثالب حتى وإن كانت صغيرة، شغل الساخر الشاغل واهتمامه الأول تصيد الأخطاء، وتتبع الزلات، يفرح بها ويخزنها في ذاكرته العفنة التي تطرب لسماع أوجه المثالب وسيء الأخبار عن كل شخص يعرفه، بل حتى الذي لا يعرفه يفرح لمثالبه وسقطاته، حتى وإن كانت تافهة كحال هذا المشغول بالسخرية من الناس، وتزداد أهمية السقطة التي تحصل من صديق أو زميل، حتى الأقرباء لا يسلمون من شره وشروره وعادته التي غدت سمة يعرف بها، وصار كل من حوله يجامله ويخشى مخالطته ومن التعامل معه، إلا أنه طفيلي متسلق يحشر نفسه في كل مناسبة وإن لم يدع لها ومع كل أحد وخصوصًا أولئك الذين يعرفهم.
لا يستحي من أن يشارك الآخرين مناسباتهم، حتى وإن لم يدع لها، يحضر أفراحهم وأتراحهم، ليس للقيام بواجب المشاركة الاجتماعية بل ينقب عمّا يطرب له من هفوة ونقص، ليخزنه في ذاكرته التي لا يجد فيها غير كل سوء ومكروه، وكل ما لا قيمة له من مواقف وأحداث وأقوال وأفعال.
تعجب أشد العجب من حال هذا وأمثاله، لدرجة أنك تجزم أنه لم يقرأ قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أن يَكُونُوا خيرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أن يَكُنَّ خيرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاسم الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإيمان وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات الآية 11).
يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-: (هذا حقوق المؤمنين بعضهم على بعض، أن {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ} بكل كلام وقول وفعل دال على تحقير الأخ المسلم، فإن ذلك حرام، لا يجوز وهو دال على إعجاب الساخر بنفسه، وعسى أن يكون المسخور به خيرًا من الساخر، كما هو الواقع والغالب، فإن السخرية لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق، متحل بكل خلق ذميم، ولهذا قال النبي صل الله عليه وسلم: «بحسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه المسلم»).
هذه الفئة من أشباه الرجال لا يمكن أن تسلوا عن هذه الممارسة الدالة على سوء الخلق، بالرغم من أن الكل يمقتها ولا يعدها من شيم الرجال وسماتهم الحميدة، بل إنها من دلائل سوء التربية ونقص الإيمان، فما أشبه الساخر بالذباب ينقب عن القاذورات ليقع عليها.
وللسخرية صور منها: الاستهزاء بطريقة كلام المسخور منه، أو صورته ولبسه ومشيته وحالته المادية وغيرها كثير، كل ذلك من أجل الحط من قدر المسخور منه وقيمته ومن أجل تحقيره في نظر أصدقائه وزملائه.
وعلى الرغم من أن الدين الإسلامي ينهى عن هذه السمة الكريهة، وعلى الرغم من أن هذه السمة تتنافى مع عامة الأخلاق الكريمة، إلا أن هذه الفئة من البشر ستظل موجودة بيننا، وأنها مهما حذرتها وبينت لها من أن هذه السمة ممقوتة من كل الناس الأسوياء فلن ترتدع.
لذا اخسر هؤلاء ترح بالك، وتسلم سيرتك، ولن تخسر أبدًا.