نادية السالمي
أحد المفكرين نبّشتُ الذاكرة لأتذكّر اسمه، ولم أتذكره، لكنه بلا شك من المقهورين يقول: «أناس لا يعلمون ما يفعلون وهم يقظى، تمامًا كما ينسون ما يفعلون وهم نيام»
وهذا تفسير معقول - إذا سلكنا مسلك حسن الظن - لحال من يغذي العقول بنماذج لا تصب في مصلحة الأجيال، ولا سمعة الأوطان. فمن استضاف «فيحان» في مدرسة ليلقي على الطلاب دروساً في الحياة، لا يعلم أي حفرة يحفرها لهؤلاء الطلبة، ومن يهتم بأخبار وإبراز نماذج مثل «أبو سن» في القنوات الفضائية ليدخل اسمه كل بيت فيعرفه كل من لم يعرفه وليصبح حديث المجتمع ويتفاقم ذكره ليصبح حديث العالم، لا يعلم أي صورة عنا ملتقطة صدّرها للعالم!.
وكأنّ هذه البلاد على طولها وعرضها بلا نماذج مشرفة ممكن أن نبرزها وندخلها كل بيت، وتسمع بها كل أذن ويستفيد منها كل باحث عن تجربة، ويسير على نهجها كل من يقتفي الخطى!.
هذه النماذج المغيبة القابعة في معتقل الهامش تكبر موهبتها إلى أن تنطفئ دون أن يعلم عنها أحد، ثم نسأل لماذا يخطف الإرهاب بعض أبنائنا أو تتسلط التفاهة واللامسؤولية على بعضهم الآخر؟!.
الجواب: لأننا نعتقلهم في معتقل الهامش بعيدًا عن صناعة دور يشعرهم بأهميتهم في الوطن، وأمام ذواتهم، فينشأ تافًها يبحث عن بطولة وهمية.
إن الشباب عماد الوطن وثروته التي يجب أن توجّه نحو درجات المجد، والتدخل في صناعة النجوم من خلال الدراسة والعناية بشؤونهم حكمة ونظرة بعيدة، تساهم في منح النشء مستقبلًا زاخرًا بالإطروحات والرؤى، والمتابع لمواقع التواصل الاجتماعي يدرك أن فيها مواهب قادرة على حمل لواء المجد في كافة المجالات ففي الأدب مثلاً كتابة القصة القصيرة، والمقالة ، وحتى الشعر لكن فرصة الظهور لهم أبعد من النجوم ، وإمكانية تسليط الضوء على تلك المواهب وأصحابها ضعيفة، لأنّ القنوات الفضائية لا تكترث بهم إلا لفضائحهم، وغالبية رؤساء التحرير والمعدين لا يرون أن البحث عن الموهبة اليانعة التي حان قطافها من واجباتهم، لهذا نجد أن أغلب ما ينشر في الصحف للأسماء المعروفة التي يحرصون عليها. والشخصيات التي تقبع في قبو يدعى زاوية منذ زمن طويل هي شخصيات معروفة شكلًا ومضمونًا فنحن نعرف أفكارهم، والرؤى التي ينطلقون منها وما من جديد فيها، فلماذا لا يحل محلهم بعض شباب مواقع التواصل الاجتماعية ؟!.. فنعرف كيف يتعاطى هذا الجيل ويفكر ويحلل الأحداث الاجتماعية التي يتعايش معها المجتمع، وأعني من يملك منهم فكرًا نيرًا وما أكثرهم وما أجمل أطروحاتهم، وهؤلاء بلا منبر يعبِّرون فيه عن أفكارهم إلّا هذه المواقع، مما يُقوّض مدى معرفة الناس بهم خصوصًا أنّ عددًا ضئيلًا يتابعهم ويقرأ لهم، أكثر ما يعرقل هذه المواهب بالإهمال هم بعض الكتّاب الذين يُحسنون تداول المصطلحات ذات العلاقة الوثيقة بتبنِّي المواهب، وتبادل الخبرات، واحترام الرأي والرأي الآخر، وتداول السلطة.. إلى آخر هذه الكلمات التي تحتاج إلى إيمان راسخ بها وتثبيتها بدعائم الفعل، فالقول بدون فعل لابد أن تذروه الرياح. وأنا لا أنكر الخبرات ولا أدعو إلى تهميشها، لكن الوطن بحاجة لنظرة تدعم ثروته البشرية المتوهجة بالتنوير لا بالظلام، والكاتب الذي يحمل أعباء مناصب كبيرة، ويكتب في صحيفتين، عليه أن يترك واحدة على الأقل لاسم مغمور لتتحصّن الأفكار والأدوار بالتنوع