د. سلطان سعد القحطاني
إن الباحث في الصحافة السعودية الورقية - ولا شيء غيرها في الزمن السابق - يجد أن معظم الباحثين ركزوا دراساتهم على الدولة السعودية الثالثة (عهد الملك عبد العزيز) والصحافة التي قامت في عهده، وهذا الوليد الذي جاء يسير على قدمين مخالف لنظام الكون، وما فيه من مخلوقات بدأت من ضعف في خط تصاعدي إلى البلوغ، وهذا المنهج - من وجهة نظري - منهج ناقص مشلول، ليس من الحديث الذي يقوم على تطوير القديم، ولا يتفق معه من حيث التقابل اللغوي الذي يمثّل في أساسه التناظر بين شيئين متناظرين، حديث يعني وجود قديم قبله يورِّث حديثاً بعده.
تناولت تلك الدراسات الصحافة ولم تلتفت لما كان أساساً لها فيما سبقها من صحافة لا يعنينا اتجاهها، لكن يعنينا ظرفها التاريخي، ودورها التنويري، وبناء الشخصيات الثقافية التي تعلمت منها المنهج الصحفي بشكله العام، وطوعته لخدمة توجهات الدولة التي تعمل من أجلها، التي أوجدت هذا المنتج الثقافي من خلال سياستها، وكأن هذا المنجز جاءنا جاهزاً، ولم يسأل الباحث، كيف جاء، ومن أين جاء، وما ضرورة مجيئه، وهل الدولة الحديثة بحاجة له، كي تصرف عليه وتنمّي قدرات أصحابه، وتولّي عليه رجالاً قادرين على إدارته دولياً ومحلياً، ومن هم أولئك الرجال، وكيف تعلموا هذه الحرفة؟؟، هذه الطروحات يجب أن يجيب عنها البحث، وقد تناول الدارسون بعضاً من هذه التساؤلات من خلال أهداف تلك الصحف في العهدين (العثماني والهاشمي) وركزوا على الدور التاريخي، كرصد لهذه الصحافة، وهذا شيء يُحسب لهم في بداية الدراسات، كتأسيس لعلم ما، أو فن ما، وتناول بعضهم هذه الصحافة من حيث المنجز الأدبي الذي وجدوه في العهد السعودي جاهزاً في الدواوين التي كان معظم نتاجها من الصحافة في بادئ الأمر، ونحن لا ننكر الدور الذي قامت به الصحافة السعودية في خدمة الأدب والنقد والفكر والتوجيه، لما أُتيح لكتّابها من حرية النشر، وتطور التعليم كركيزة من ركائز انتشار الفن الأدبي ومتابعة الأحداث الثقافية والسياسية من خلال تلك الصحف بجانب الكتب التي صدرت من داخل البلاد وخارجها، وتأثر الكتّاب بالمدارس الصحفية في البلاد العربية التي سبقت السعودية، وما سبقها من حكومات على الحجاز في التعليم والتفاعل مع الآداب الأجنبية، ومن وجود نخبة من المثقفين أكملوا دراساتهم في مصر وبيروت، على وجه العموم. وفي هذه الدراسة سأحاول إعطاء صورة عن تاريخ هذه الصحافة التي قامت على أنقاض الصحافة التي سبقتها، والتي عاصرتها في الوقت نفسه في كل من مكة وجدة والمدينة المنورة، ثم كيف تطورت هذه الصحافة بعد الحرب العالمية الثانية، من حيث الكم والنوع، وقدرات رجال الصحافة والإذاعة، وما استعانت به تلك الجهة من أبناء العرب الذين تعلموا في موطنهم الأصلي ودربوا كثيراً من العاملين في الصحافة على حرفية هذه المهنة الحديثة في مصر وبيروت، وأصبحت القيادة في أيديهم بعد أن أتقنوها بما فيها من مشقة وعناء، وذللوا صعابها بما تعلموه، وأصبح دور الصحافة التنويري بداية الطريق لكتَّاب أصبح دورهم التنويري مناراً للجيالذي عاصرهم، والجيل الذي جاء من بعدهم، أعلام قاسى كثير منه بعض المشاكل التي واجهته من المجتمع الذي لم يتعود التطوير والتنوير، وصمدوا صمود الجبال، يدافعون عن آرائهم بالقلم حتى ثبت اليوم ما كانوا ينادون به بالأمس، ولم تنطفئ شموعهم في ظلام العصور الماضية، بل لا تزال تضيء الطريق اليوم للأجيال الحاضرة والقادمة.. وسنحاول في هذا البحث مناقشة تلك الآراء، التي نجني ثمارها، وما تنبأوا به قبل عقود مضت في الدولة الفتية التي تعلم أبناؤها من النابغين على تلك المقالات.