لماذا صارت العلاقة بيننا وبين واقعنا المعاصر متناقضة إلى درجة التوتر والإزعاج لذواتنا؟
فكلنا مبهورون بتزيين اللقطة والتلاعب بمكوناتها إلا أن الواقع هو المعترض الوحيد على تشويهه.
كم تخدعنا الصور الإلكترونية الذكية فتبشع جمالياتنا وتجمل بشاعاتنا المركونة وراء اللقطات. كم من لقطة تشحذ فينا أكاذيبها ونعتقد ونحن نعرف أنها ليست من الواقع في شيء، نزيف واقعيتنا بكثير من الخدع التي نلبسها ذواتنا فتتخم فينا مشاعر الزيف حتى تأكل إنسانيتنا الآسرة، بل ونطعمها إياها لقمة سائغة بأيدينا دون أن ندرك عواقب ما نفعله وتأثير ذلك فيما بعد على سلوكنا ومشاعرنا.
وعندما تتحدث إحداهما إلى الأخرى عن لقطتهما المأخوذة بأناقة الصورة المترفة بخدعها الافتراضية والتقنية تتسع حالة الانبهار خارج الواقع إلى الخيال، إنها إشكالية التناقض الذاتي المبقع بأمراض الروح التي تسعى لتتحرر من أسر ماضيها، ومن بؤسها بمآلات حاضرها برهاناتها المعقودة على أمل مستقبلها المجهول.
ليس لي من قصد في النظر بواقعية إلى الواقع ولا أنتظر تفاصيل مختطفة تشوهه بقصد تزيينه بزينة لاتمت إليه بصلة، لكنني أحس بأن النظر بمنظار الحقيقة إلى أشد الأشياء بشاعة منظور استقراء لجماليات القبح تدعو الفرد إلى التروي والوعي والتفكير بطريقة أفضل. ليس في الأمر عداوة للجمال ولاللمحسنات ولكنني لا أفضل أن يعيش المرء في واقع ويتصور ويصور لنفسه حالة أخرى من العيش خارج الواقع فيلبسه دور الخديعة دون أن يستطيع الفكاك منه فلايتقبل ذاته فيما بعد.
تتجمل الحياة بذاتيتها المفطورة لابعروش مشاهداتها المتوهمة لممالك لاتخصها. فهذا بؤس كبير بحق الطبيعة والواقع واعتياد غير سوي على تخريب فيزياء الأشياء وتدمير لذاتيتها وتلقائيتها وتوجهاتها الحميدة نحو معادن أرواحها.
لا حياة لما ليس له أصل وجوهر. بهذه الرؤية لابغيرها تتخلص الذوات من خرائب ضمائرها.
- هدى الدغفق