-1-
ومن جملة العوامل التي أفضت بنا إلى الضعف الفكري والجمالي في هذه المدونة ضعفُ الوعي بماهية الشكل الروائي، ويمكن أن نتمثّل هذا العامل – على سبيل المثال – في تردّد بعض التجارب الروائية بين (الوظيفي) و(الجمالي)، أو في انسياقها إلى الأول على حساب الثاني، وفي هذا السياق تشفّ جملة من النصوص الفوقية المتصلة ببعض روايات هذه المدوّنة عن استناد التجربة إلى المنطق الرسالي، الذي لا يرى في الرواية (من حيث هي شكل) ما يستحقّ الاهتمام. وقد صرح بعض الروائيين والروائيات بأنهم اختاروا الكتابة الروائية ليقولوا من خلالها ما لا يستطيعون قوله من خلال المقالة مثلاً، أي: إنّ التجربة الروائية تحضر في هذه الحالة بصفتها اضطراراً لا اختياراً، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ – من وجهة نظري - على الجهل بالطاقة الكامنة في الشكل الروائي، وبقدرته على أن يظلّ الخيار الأكثر مناسبة لمقاربة القضايا الشائكة في السياقات الدينية والسياسة والاجتماعية .
ويمكن أن نستدعي إلى هذا السياق ملمحاً آخر لضعف الوعي بماهية الشكل الروائي وهو ضعف النزعة النقدية لدى كثير من الروائيين، بالقدر الذي يجعلنا أمام تجارب روائية عاجزة عن اختراق المعلوم إلى المجهول، والظاهر إلى المستتر، ومن ثم عاجزة عن تقديم إضافة معرفية حول الإنسان وما يحيط به من معانٍ وأشياء .
وربما كان هذا العامل سبباً رئيساً في عدم وجود مادة حول المدوّنة الروائية السعودية تشبه ما كان يسهم به الروائيون والروائيات في التنظير لما يكتبون وما يقرؤون !
-2-
ومما سبق عرضه – في حلقات هذه المقالة - أنتهي إلى أنّ التجربة الروائية في بلادنا تحتاج إلى اهتمام أكبر من المؤسسات الثقافية والأكاديمية، ومن الروائيين والنقاد؛ لكون الرواية قناة من أهمّ القنوات الأدبية/ الثقافية في المجتمع الحديث، بل يمكن عدّها القناة الأكثر جرأة على ملامسة القضايا الشائكة، والتعبير عن المهمّش والأقلي والمنفي والمسكوت عنه .
وثمة خطوات عملية يمكن أن تأخذ تجربتنا الروائية إلى مستقبل أفضل، منها – على سبيل المثال - :
• العمل على وضع رؤية طموحة للمؤسسات الثقافية تعيد الاعتبار للفعل الثقافي (الفردي والمؤسسي)، وتعالج كلّ ما يعترض طريقه مادياً أو معنوياً. ومن ذلك تقويم تجربتنا مع الجوائز الأدبية والثقافية، وإعادة النظر في إصدارات المؤسسات المعنية بالنشاط الثقافي، وفي الموضوعات والقضايا التي تطرحها المنصة الأدبية والنقدية. كل ذلك بغاية الإسهام في خلق مناخ يشجّع على التجويد، ويحفّز على الارتباط بأسئلة أدبية ونقدية جديدة حول منطلقات الكتابة وفضاء التجربة .
• الاهتمام (ولو نسبياً) بالوظيفة المعيارية في نشاطنا النقدية، من خلال الاحتفاء بأسئلة الجودة والرداءة، أو الأسئلة التي تستهدف السياق الثقافي العام، والتكوين الثقافي الخاص، والوعي بالكتابة – مما عرضت له في الحلقات السابقة - .
• أهمية التفات النقاد للتجارب الروائية المتميزة، والاهتمام بالشرط الفني في اختيار المدوّنات الروائية المرشحة للدرس الأكاديمي، والانطلاق في هذا الجانب من قراءة النص وفحص أدواته لا من مؤشره التجنيسي الذي يقرّره المؤلف والناشر .
• اهتمام الروائيين بتغذية مخزونهم الثقافي من خلال استنطاق تجاربهم الخاصة، وتنويع المصادر الثقافية التي تعينهم على تقديم قراءة عميقة للظواهر أو القضايا أو المشكلات التي يريدون التصدي لها، والاطلاع المستمر على المواد التنظيرية والنقدية الخادمة للتجربة الروائية.
• الانتقال بالملاحق الثقافية والأدبية إلى مستوى يمكّنها من الإسهام في إثراء الحركة الأدبية، من خلال الاهتمام بشهادات الروائيين المتميزين محلياً وعربياً وعالمياً، ونشر مواد تخدم السؤالين الفكري والجمالي، وترتبط بالنصّ لا بصاحبه !
- د. خالد الرفاعي