م. خالد إبراهيم الحجي
لقد أكدت دراسات الأمم المتحدة أن المسلمين هم الوحيدون المتوقع تزايد أعدادهم بين سكان العالم بمعدل أسرع من معدل زيادة أعداد جميع أصحاب الديانات الأخرى والعقائد المختلفة لكثرة الإنجاب عندهم، كما ذكرت أن الدين الإسلامي أسرع الأديان انتشاراً لكثرة المعتنقين الجدد له؛ ولذلك فإن إحصائيات الدراسات الدومغرافية تتوقع أن يقفز عدد المسلمين من مليار وستمئة مليون إلى مليارين وسبعمئة مليون مسلم بحلول عام 2050 م، وإذا صحت هذه الدراسات فمعنى ذلك أن المسلمين سيشكلون ثلث سكان العالم تقريباً الذي سيصل تعداده إلى تسعة مليارات نسمة حسب نفس الدراسة، وفي خلال خمسة إلى سبعة أعوام سيكون الإسلام هو الدين الأول في العالم كله.. والإسلام الوسطي المعتدل هو القادر على استيعاب واحتواء المسلمين من جميع أنحاء العالم، واندماجهم في مجتمع واحد مع تنوع أعراقهم وأجناسهم، وتعدد ألوانهم ولغاتهم، واختلاف عاداتهم وتقاليدهم، وتباين ثقافاتهم ومذاهبهم. والمسلمون اليوم على درجات كبيرة من الاختلاف والتباعد والانقسام وهم مليار وستمئة مليون مسلم فكيف سيكون حالهم عندما يتجاوز عددهم مليارين وسبعمئة مليون مسلم؛ لذلك فإن المسلمين اليوم يحتاجون إلى التعاون والتكاتف وقبول الآخر والتعايش معه، كما يجب عليهم اتخاذ الخطوات الممكنة والإجراءات اللازمة في أسرع وقت ممكن لتطبيق التسامح والاعتدال في حياتهم على أرض الواقع، وقبول الآخر، أي تطبيق الوسطية والاعتدال التي أكد عليها الإسلام لتحقيق التعاون والتكاتف للوصول إلى التعايش مع الآخرين، والاندماج الاجتماعي بينهم وبين أصحاب الديانات المختلفة والأعراق والأجناس الأخرى، وأي تأخير سيزيد الفجوة اتساعاً والمسافة بعداً بين المسلمين. ونشر مبدأ التسامح والاعتدال ليس واجباً أخلاقياً أو دينياً فحسب وإنما مطلب اجتماعي ودبلوماسي وسياسي؛ لأن التسامح والاعتدال هما الفضيلتان اللتان تثمران المودة والإخاء والسلام والوئام في المجتمع للقضاء على العداوة والبغضاء والإبعاد والإقصاء .. والتسامح والاعتدال ليس معناه الهبوط في المستوى الأخلاقي أو التساهل في الحلال والحرام أو التنازل عن القيم والمباديء التي دعا إليها الإسلام؛ وإنما التسامح معناه ببساطة هو الاعتراف بوجود الآخرين وقبولهم والتعايش معهم مالم يمسوا الإسلام أو المسلمين بسوء، كما يمكن وصف التسامح والاعتدال بأنه احترام وتقدير التنوع الثري بين الحضاات المختلفة في العالم والاستفادة منه بما يخدم الإسلام والمسلمين.. والناس اليوم بخلفياتهم الدينية والثقافية المختلفة أصبحوا يعيشون بقرب أكثر من بعضهم البعض ويحصل بينهم اتصال متكرر وتلاقي دائم أكثر من السابق؛ ولتحقيق مبدأ التسامح والاعتدال بين المسلمين ومع أصحاب الديانات الأخرى يجب أن نبدأ من اليوم بتوعية الأسرة المسلمة لتنشئة أبنائها عليه في المنازل، وتربية الطلاب عليه في المدارس، كما يجب أن تؤكد عليه وزارة التربية والتعليم في المناهج الدراسية، والتوعية به في مجالس الذكر وعلى ألسنة الأئمة والدعاة والخطباء في كلامهم على منابر المساجد، وتتناوله وتؤصله الصحف والمجلات، وتعد له البرامج التلفزيونية وتعقد له الندوات والمؤتمرات. وتفعيل مبادئ التسامح والاعتدال على المستويين المحلي والعالمي كفيلة بأن تنشئ أجيالاً من المسلمين يشكلون مجتمعات أفضل مما هم عليه الآن أينما تواجدوا في العالم يطبقون مبادئ الشفقة والتراحم والتعاون والوئام التي دعا إليها الإسلام.. وزرع ثقافة التسامح والاعتدال عملية طويلة الأجل ولا يمكن الاستفادة من مخرجاتها ونتائجها بين عشية وضحاها، وإنما ستستغرق مدةً طويلةً وأجيالاً عديدةً، والمدرسة هي أحسن مكان وأفضل تربة خصبة لزرع أخلاق التسامح والاعتدال في الطلاب بإدخال مادة التسامح والاعتدال في مناهجهم الدراسية لتعليمهم أسلوب التعايش مع الآخرين وطرق التناغم والانسجام معهم.