لا يوجد على وجه الأرض أكثر إجراماً ولصوصية من مستوطن، يستوطن في أرض فلسطين في سياق المشروع الصهيوني العنصري الاستعماري الذي استهدف فلسطين منذ بداية القرن العشرين وإلى اليوم، دون أي مسوغ قانوني وعنوة رغم رفض الفلسطينيين والكثير من شعوب العالم لهذا المشروع الاستعماري العنصري منذ بداياته، مستغلاً حالة الاضطراب الدولي التي أعقبت الحرب العالمية الأولى ثم الثانية وما نتج عنهما من إعادة تقسيم لدول العالم وتوزيع مناطق النفوذ بين الفائزين في تلكما الحربين المشؤومتين.
قد انتهت حركة الاستيطان في العديد من مناطق العالم ودوله، سواء في العالم الجديد أو في إفريقيا، بإسقاط كيانات الاستيطان القائمة على أسس عنصرية أو دينية، إلا في فلسطين، التي لا زالت تُغتصب من قبل الكيان الصهيوني الاستعماري العنصري، ويفرض احتلاله وسيطرته على كامل أرض فلسطين، بعد حربين دمويتين، نتج عنهما تهجير أكثر من نصف الشعب الفلسطيني إلى خارج حدود الإقليم، وبقاء النصف الثاني رازحاً تحت أغلال الاحتلال والتمييز العنصري، سواء في الجزء المحتل عام 1948م أو الجزء المحتل عام 1967م من إقليم فلسطين، ولا يزال يتنكر الكيان الصهيوني لكافة الحلول الوسط، التي يدعو إليها المجتمع الدولي، والتي تقوم على أساس اقتسام إقليم فلسطين، وإقامة (دولة إسرائيل) وبجانبها دولة فلسطين المستقلة، ويفرض حلاً أحادي الجانب، يقوم على أساس الدولة الواحدة العنصرية، والتي لا مكان فيها للسكان الأصليين، حيث تحتكر فيها السلطة والسيادة من قبل فئة المستوطنين اليهود، في حين أن جميع دول العالم بما فيها التي شهدت استيطاناً جماعياً، قد أسقطت البعد العنصري في بناء دولها، وأصبحت شأنها شأن الدول الأخرى، تقوم فيها العلاقة بين الفرد والدولة على أساس المواطنة، لا على أساس العرق أو الدين أو المذهب، فأي دولة طبيعية، هي دولة مواطنيها على اختلاف أطيافهم، متساوين أمام القانون، إلا هذا الكيان الغاصب للسلطة والسيادة على إقليم فلسطين والمسمى (دولة إسرائيل)، ظناً منه أنه قادر على الاستمرار بهذه الصيغة العنصرية إلى ما لا نهاية، وأنه سيفلت من العقاب، ويستمر في تجاوز أبسط مفاهيم القانون الدولي، التي ترفض رفضاً قاطعاً هذه الأسس التي بنى تسلطه على أساسها، ويستمر في فرض قوانينه وإجراءاته العنصرية على السكان الأصليين من الشعب الفلسطيني أصحاب الإقليم الأصليين.
من هنا تأتي أهمية قرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر يوم الثالث والعشرين من ديسمبر الحالي، بشأن بطلان الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل الكيان الصهيوني في العام 1967م، واعتبارها أراضي الدولة الفلسطينية، التي يجب أن تقوم بجانب (دولة إسرائيل) المقامة على الأراضي المحتلة عام 1948م، والذي لاقى الترحيب الدولي الكبير والواسع، والذي يتفق مع القانون الدولي واتفاقيات جنيف الأربع، التي تحرّم وتجرّم البناء على أراضي الغير، والعمل على تغيير طبيعتها، كما تجرِّم الاحتلال في نقل سكانه للسكن والاستيطان في الأراضي المحتلة، وحيث إن القرار 242 و 338 و 1915 وسلة القرارات الصادرة عن الجمعية العامة من القرار 181 إلى آخر قرار صادر عنها، تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، والقرار 6869 الذي منح دولة فلسطين صفة العضو المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأخيراً يأتي قرار مجلس الأمن رقم 2334 بتأييد أربع عشرة دولة، وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، لأجل تمرير القرار بعد أن ضاقت الأخيرة ذرعاً بصلف وعناد قيادة الكيان الصهيوني، الموغلة في التطرف والتوسع في البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة عام 1967م، الذي من شأنه أن يعيق ويعطل حل الدولتين، الذي يسعى العالم لفرضه، كحل وسط للنزاع، والذي لا يزال يمثل مركز الزلزال الذي أدخل منطقة الشرق الأوسط في حالة من الاضطراب، وعدم الاستقرار، باعثاً على تنامي روح الحقد والكراهية، ومغذياً لقوى الإرهاب، الذي يعصف بالمنطقة ويتطاير شرره إلى أنحاء مختلفة من المعمورة.
إن إنهاء الكيانات العنصرية، واستبدالها بكيانات وطنية ديمقراطية، في إفريقيا وقبلها في العالم الجديد، واختفاء كل أشكال التمييز العنصري في كافة كيانات ودول المعمورة، يؤكد الصيرورة والحتمية التاريخية والمدنية والسياسية والقانونية، التي لا بد أن تحكم على هذا الكيان بالسقوط، ولن يجد في المستقبل من يدافع عنه، أو يوفر له طوق النجاة من السقوط والاختفاء، وإقامة كيان واحد ديمقراطي على إقليم فلسطين، يتعايش فيه جميع السكان بصفة مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات دون تمييز ودون احتكار للسلطة أو السيادة من قبل فئة معينة لتمارس القمع والقهر على الفئات الأخرى المكونة لسكانه.
إن استمرار الكيان الصهيوني بالتنكر لحل الدولتين الذي يحظى بإجماع دول العالم، والحيلولة دون إنهاء احتلاله واستيطانه للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م بما فيها القدس، يفسح المجال واسعاً أمام الحل الإستراتيجي والذي يتوافق مع حقائق التاريخ ومع الحقائق الاجتماعية والسياسية والقانونية والمتمثلة بالدولة الديمقراطية المدنية الواحدة، حينها ينتهي النزاع، ويعم السلام إقليم فلسطين، وتستعيد المنطقة استقرارها، وتفقد قوى الإرهاب مبرراتها وذرائعها.
لهذه الأسباب يفقد قادة الكيان الصهيوني اليوم صوابهم، من صدور القرار 2334، الذي يفقد الاستيطان أية مشروعية، ويؤكد على حق الشعب الفلسطيني في وطنه، وفي بناء دولته على حدود الأراضي المحتلة عام 1967م بما فيها القدس الشرقية.
ونحن نقول إن كيان الاستيطان بكل أشكاله القديمة والجديدة إلى زوال مهما طال الزمن.
** ** **
- عضو المجلس الوطني الفلسطيني