إذا جادت الدنيا فجد بها
على الناس طراً إنها تتقلب
يمتاز أبناء المملكة العربية السعودية الكرام الذين منّ الله عليهم بأنعامه وأفضاله وتحبيب البذل في أوجه البر والإحسان، والعطف على الضعفة والمساكين، وبالتسابق في رصد المبالغ الباهظة لشحذ الهمم لحفظ كلام الله العزيز الحميد، وبالتفوق في سائر العلوم والفنون النافعة لكلا الجنسين من المواطنين وغيرهم من سائر الأقطار، حيث عمت الجوائز السنوية محافظات ومدن البلاد، ومن أشهرها وأشملها جائزة الملك فيصل العالمية - رحمه الله - وأسعد القائمين عليها، ثم بدأ انتشار الجوائز المباركة في جوانب مملكتنا الحبيبة إلى قلوبنا، وهذا من فضل الله وتوفيقه، ففي مساء يوم الجمعة 24-3 -1438هـ شهدت القاعة الكبرى في قصر الجماعة بمحافظة حريملاء الحفل السنوي لتكريم المتفوقين والمتميزين والمراكز التابعة لها للبنين والبنات في دورتها الرابعة لعام 1437هـ برعاية معالي الشيخ الدكتور الفاضل سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء المستشار بالديوان الملكي، وحضور محافظ حريملاء المكلف الأستاذ عبدالله بن صالح المديميغ، وعدد كبير من الأعيان والوجهاء ورؤساء المراكز، وأولياء أمور الفائزين، ثم استهل الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم رتلها الطالب النجيب عبدالعزيز بن محمد العيدان، بعد ذلك نهض الدكتور حسن بن الشيخ عبدالعزيز الداود، ملقياً كلمة هيئة الجائزة مرحباً براعي الحفل معالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري، وبالحضور منوهاً بمكانة حريملاء العلمية والأدبية، وأنها مصدر إشعاع ومعرفة لطلاب العلم منذ القدم، وهذا يُذكرنا برائد النهضة العلمية بحريملاء الشيخ محمد بن ناصر المبارك الذي كثيرا ما نذكر أعماله الجليلة في عدد من المناسبات كهذه - رحمه الله - وقد ازدهر التعليم في زمنه ازدهاراً ملحوظاً، حيث كان مسجده في حي قراشة يزدحم بطلبة العلم كأنه خلية نحل من طلبة حريملاء وما جاورها من البلدان، ومن بلدان سدير والقصيم، وحتى من بعض الأماكن خارج المملكة لما يلقونه من تكريم وترغيب من الأهالي أصحاب الفلاحة حيث أنشأوا جصتين داخل المسجد لوضع كميات كبيرة فيهما من جيد التمور يقتات منها الطلبة المغتربين.. مع ما تناوبه الأهالي في تكريمهم لتناول طعام الغداء والعشاء احتساباً للأجر من رب العالمين، ولما علمت أسرة آل ثاني من الخليج بنشاط الشيخ محمد المبارك بكثافة الطلبة أسهموا مشكورين في شراء عدد من النخيل أوقفوا ريعها على طلبة العلم، ومازال وقفم جارياً يستفاد منه، ولسان حال الناظر على أوقافهم يردد قول الشاعر:
ستلقى الذي قدمت للنفس محضرا
فأنت بما تأتي من الخير أسعد
وقد تخرج على يد الشيخ محمد المبارك، أفواج كبيرة من العلماء والقضاة والمرشدين، عينهم جلالة الملك عبدالعزيز في جوانب المملكة مثل: بلاد بلسمر وبلحمر، وتربة، ورنيه، ونجران بالجنوب..، وشمالاُ في منطقة الجوف،وشرقاً قرية العلياء، وفي أواسط البلاد..، وحريملاء في ذلك العصر كانت بمنزلة الجامعة لكثرة العلماء والقضاة..، كما عين جلالته الكثير من الأمراء في مواقع عدة من أطراف المملكة، ورغم صغر حجم البلد حريملاء إلا أن الله أنزل البركة في علمائها ورجالها المخلصين، مع الاحتفاظ، بمكانة سائر البلدان الأخرى وكل فيه خير وبركة:
والناس ألف منهم كواحد
وواحد كالألف إن أمر عنا
وعوداً على كلمة الدكتور الفاضل حسن حيث أثنى على جهود اللجنة الأهلية بمحافظة حريملاء على استحداث الجائزة السنوية المباركة، التي تحققت بدعم سخي من مجموعة من رجال الأعمال من أبناء حريملاء، وهذا لا يستغرب على أمثالهم «وجزاهم المولى خيراً ورحم غائبيهم» مذكراً كل واحد منهم بهذا البيت للشاعر عبدالله بن المعتز:
فأحي ذكرك بالإحسان تزرعه
يجمع به لك في الدنيا حياتان
بعد ذلك ألقى الشيخ الحبيب عبدالله بن ناصر المشعل أحد الفائزين لدرجة الماجستير كلمة عن زملائه الفائزين شكر فيها هيئة الجائزة والقائمين عليها، والحقيقة أنها كلمة ضافية اتصفت بالجودة وحلاوة الأسلوب، ثم نهض راعي الحفل معالي الدكتور سعد مهنأ الفائزين والمكرمين بهذه الجائزة وشاكراً للهيئة واللجنة الأهلية بحريملاء على هذه المناسبة المباركة بتكريم المتفوقين والمتفوقات داعياً المولى سبحانه وتعالى أن يديم على هذا الوطن نعمة الأمن والسعادة، وأن يحفظ ولاة أمرنا ويوفقهم لما فيه الخير والبركة، وقبل حضور معاليه الحفل سعدت بتشريفه منزلي، فجرى الحديث بيننا متذكرين أيام الدراسة الجميلة بالمعهد العلمي وكليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض مع والده الكريم الشيخ ناصر، وذكرياتنا الحبيبة إلى قلوبنا مع جده فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد ((أبو حبيب)) الشثري- رحمه الله - الذي سعدنا بمجورته أثناء دراستنا بكلية اللغة العربية في حي العجليه غربي شارع العطايف، وحضورنا مجلسه الرحب العامر بالزوار وطلاب العلم في تلك الحقبة الزمنية:
حبيب إلى الزوار غشيان بيته
جميل المحيا شب وهو كريم
وفي نهاية الحفل قام راعي الحفل ومحافظ حريملاء، ورئيس هيئة الجائزة الأستاذ الأديب الوجيه علي بن أحمد الشدي بتسليم الدروع التذكارية والهدايا والمبالغ النقدية للفائزين عمومًا، كما قدمت هيئة الجائزة درعاً تذكارياً لراعي الحفل، وقبل ختام هذا المقال البعض يتمنى من هيئة الجائزة ومن المحسنين رجال الأعمال وغيرهم إيجاد عقار يكون ريعه بمنزلة الوقف الخيري يمول تكاليف الجائزة السنوية ضماناً لاستمرارها ومضاعفة الأجر من الله ما دام المال بين أيديهم وطوع أناملهم:
اختم وطينك رطب إن قدرت فكم
قد أمكن الختم أقواما فما ختموا