محمد آل الشيخ
مفهوم (الوطن)، ليس مجرد أرض يقطنها أهلك وذويك فحسب، وإنما هو بالمفهوم المعاصر الحديث انتماء وهوية، وأخوة وطنية يشترك فيها، ويتميز بها، جميع مواطنيه بمختلف مذاهبهم وأعراقهم. الوطن بهذا المفهوم مازال كثيرٌ من الغلاة المتكلسين، ومن يهرولون وراءهم من البسطاء، يرفضونه، ويرفضون ما ينتج عنه من مفاهيم وما يترتب عليه من حقوق وواجبات متساوية بين الأفراد المنتسبين للوطن، ويصرون على أن الانتماء الشرعي الذي يُقره الدين الحنيف هو (حصريا) الانتماء للمذهب، وكل من اختلف معك فيه، فإن الدين لا يُقر أخوته الوطنية، ولا ما تمخّض عنها من قيم ومفاهيم. وإذا سألتهم: والسبب؟.. أجابوا: لم يكن السلف الصالح يُقرون أي انتماء إلا الانتماء للمذهب الصحيح، وما عدا ذلك (كلام فاضي) كما قال أحدهم في لقاء تلفزيوني للأسف.
طبعا كلام كهذا لا يمكن أن يُقره العصر الذي نعيش فيه، ويتحتم علينا أن نتعايش مع مفاهيمه راغمين، شئنا أم أبينا، ولا يمكن أيضا أن تقبله اتفاقيات حقوق الإنسان التي تراضت عليها الأمم، ومن ضمنها المملكة.
صحيح أن كثيرا من شروط مصطلح (دولة العصر)، وأهمها شروط الوطن، وحقوق المواطنة، لم يعرفها السلف، ولا كانت من ضمن ضروريات العيش في مجتمعات الدول آنذاك، غير أن عصرنا، ومفهوم الدولة، وتعريفها، ومفهوم المواطنة، وما يترتب عليه من حقوق وواجبات تعترف بها الأمم قاطبة، هي من البديهيات، التي لا يرفضها، ويكابر عليها، إلا واحد من اثنين إما أنه جاهل، أو أنه يعيش بجسده معنا، وثقافته، ومفاهيمه، ومعايير القبول والرفض لديه، تنتمي إلى عصر ماضي..
ومثل هذه القضايا والمفاهيم لا تقبل المجاملة، أو التهاون، فما أنتج الفكر الداعشي الذي يعاني منه العالم من أقصاه إلى أقصاه، إلا مثل هذه المعايير العائدة لمئات السنين، ومعتنقوها يريدون أن يُحاكموا الناس ويحكموهم بمفاهيم وقوانين منقرضة لم يبق لها أثرٌ إلا في عقلياتهم وقواميسهم القادمة من الماضي السحيق.
لذلك فإن من الضرورة الملحة أن نواجه مثل هؤلاء الغُلاة، ونقف في وجوههم، ونحاصر مفاهيمهم التي استقوها من عصور خلت وانقرضت.
أعرف أن كثيرين يؤثرون مراعاتهم وعدم مواجهتهم، والصبر عليهم، لأنهم سيندثرون، ويفنون، وتندثر معهم وتفنى عقلياتهم الماضوية المتخلفة حتما.. إلا أنني أرى ضرورة مواجهتهم بحزم لا يعرف اللين، وإرغامهم على أن الوطن لجميع المواطنين بمختلف مذاهبهم، سنة كانوا أو شيعة أو إسماعيلية أو صوفية، كما أن مواطنيه لهم توجهات فكرية شتى، فالتهاون في مسائل المواطنة، خاصة إذا أقحم الدين في مضامينها، أمر في غاية الخطورة على اللحمة الوطنية، كما يترتب عليه أمور من شأنها أن تستدعي ما لا تحمد عقباه.
إلى اللقاء