د. خيرية السقاف
من أسس البحث العلمي الحصول على المعلومة من مظانها، وتمحيص هذه المظان، وتقديم الأوثق في الأهمية عما سواه، فإن كانت عن أفراد بعينهم فإن المصدر الأوثق لها هو صاحبها، فإن كان حياً يؤخذ عنه، وإن ميتاً تتدرج المصادر..
هذه السطور ليست سبقاً في الطرح، ولا جدة في الفكرة، ولا تخص مكانها وكاتبتها، بل هي معيار الصدق في التوثيق يعلمه وتعارف عليه، وأخذ به جادة الباحثين، ويوجَّه إليه ناشئتهم ليتخذوه سبيلاً لجدية ما يبحثون ومصداقية ما يدونون..
والرجوع للمصادر الأولى عند البحث والتدوين والكتابة ليست منهجاً علمياً للباحث الأكاديمي فقط، بل ينبغي أن تكون نهجاً وسلوكاً فكرياً لكل من يتخذ من نفسه متحدثاً فيما يتطلب المعلومة المرجعية، والمصدر الأساس لها بما فيها الكتابة الصحفية، بل فيما تقدمه منابر الثقافة، والإعلام، والتدريب، والحوار في شتى الموضوعات سواء جاء الموضوع عن سيرة شخص بمختلف صفاته وأدواره، أو في أية قضية تتطلب اتباع مسلك التوثيق من مظان رئيسة للمعلومة محور الموضوع، هذا للثقة، وللعودة الآمنة لما يقدم..،
مثل هذا النهج لا يحرص عليه إلا الباحث الأكاديمي، ومن سواه تجدهم يأخذون من مراجع غير موثقة معلوماتهم، ويسندون إلى من لا علاقة مباشرة لهم بما يكون عن الأفراد، دون اعتبار إلى طبيعة المرء وإيقاع الحياة، حين يجدون في الصحف أو مؤشرات البحث معلوماتهم فيأخذونها دون العودة لتوثيقها من أصحابها وهم أحياء يرزقون..
والمقلق في الأمر أن هناك باحثين/ات أكاديميين يتخذون مؤشرات الشبكة العنكبوتية مصدراً لهم حين يكون البحث الذي يتصدون له عن إنجاز، أو شخصية أديب/ة، أو قيادي/ة، أو إعلامي/ة،
فتأتي الحقائق مبتورة أو مزيدة أو خاطئة، بينما هو/هي يدب كل منهما على الأرض !!..
في هذا الاعتماد ما يسيء للباحث عدم توثيقه، ولمنجزه عدم مصداقية مرجعيته،
ولكن؟
من بيده تصويب المسار في ضوء التواكل على الأيسر الأسرع!؟..
كذلك فيما ينهج الباحثون من أخطاء في التوثيق، والمتحدثون، ومن يكتبون أنهم يأخذون عن أفراد آخرين معلومات عمن يتصدون للكتابة عنهم، والأجدر بهم أن يعودوا لصاحبها الناطق السامع، النابض الموجود بينهم.
لا ننسى أن هناك مئات وليس عشرات من الباحثين من غير العرب، جاءوا، ويجيئون إلينا من أقصى الشرق، والغرب، من آسيا، وأوروبا، وأمريكا يبحثون عن المعلومات فينقبون عن دقيقها وأصفاها عند أصحابها وهم أصدق مظانها، فإن كان بحثهم يتصدى لأفراد قصدوهم في بيوتهم، ومكاتبهم، لا يغادرون إلا بصيد سمين مما يدلي به المعني بالحقيقة عنه، إضافة إلى أنهم يلتقون أصدقاء من هو مدار بحثهم، وخاصته، ودائرة عمله،
هو هذا المنهج المكين الواضح المأخوذ به، وعند كل باحث أمين، حريص على سمعته وقيمته ومصداقية بحثه، فهو لا يلجأ لمصدر آخر في حضور الأساس، ولا يتخذ ما تذهب به عجلة الكتابة في الصحف، أو المواقع المختلفة في الفضاء الإلكتروني ثقة إلا بعد جهد ومقارنة.
وأحسب هذا سلوك الإعلامي، والكاتب، وكل من يتصدى للحديث ويتوخى ثقة المتلقي عنه فيه.
فالأحياء من يؤخذ عنهم ما يراد عنهم، فهم الأصدق مرجعًا، وتوثيقًا. كذلك يكون التعامل مع المصادر المختلفة بموضوعاتها عن موضوعاتها.