كاتب فهد الشمري
هي كؤوس ليست ككل الكؤوس فهي كؤوس الوفاء والمحبة لأولئك الذين شيدوا صرح هذه البلاد المباركة، الذين جعلوا منها أسطورة من أساطير الزمن الحقيقية التي رأتها العيون، ولمستها الأجسام، إنها حقاً كؤوس لها من الدلالات ما يجعلها مصدر فخرٍ واعتزازٍ لكل القائمين عليها، والمنظمين لها، والفائزين بها، إنها تحكي قصة وطن، وتاريخ مجيد عريق، رسم خطاه الملك المؤسس طيب الله ثراه، وواصل الدرب من بعده رجال أكفاء، عرفوا قدر المسئولية، وعظم المهمة، فكانوا على قدر المسمى، ولله در أبو الطيب المتنبي حينما قال:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتـــــ العَزائِمُ,*** وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكــارمُ.
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغـــارُها*** وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظـائِمُ.
فمن شجاعة الملك المؤسس طيب الله ثراه، إلى حلم الملك سعود رحمه الله، إلى شجاعة الملك فيصل رحمه الله، إلى كرم الملك خالد رحمه الله، إلى حنكة الملك فهد رحمه الله، ثم حكمة الملك عبدالله رحمه الله، ثم إلى حزم وحسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله الرئيس الفخري لنادي الفروسية، ويقينه بربه الذي جعل البعض يقولها وبملء الفاه (أنت الإمام بن الإمام بن الإمام) والشجرة الطيبة لا تثمر إلا الطيب، وصدق الله تعالى حينما قال {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}.
إن هذه المناسبة تأتي بنكهة غير التي جاءت بها سابقاتها، فهي تأتي متزامنة مع الذكرى الثانية لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، لتخبر الجميع أن الأرض ما زال فيها فرسانها، وأن سلمان هو الفارس الذي تصدر ولا يزال فروسية العالم الذي كاد أن يخلو من فرسانه، وما فعله حفظه الله في غضون سنتين أثبت للعالم أجمع أن المملكة كانت وستظل هي حامية عرين الإسلام، والمدافعة عنه، وهي من تسد الثغرات في كل المحافل الدولية والإقليمية.
إننا حينما نتحدث عن الفروسية لا نتحدث عن حدث رياضي مر من هنا ومضى، ولكننا نتحدث عن تاريخ أمة، ارتبطت بالخيل قديماً وحديثاً، فعرفت الخيل واعتبرته جزءاً من مكونات شخصيتها الاجتماعية والرياضية وتراثها العريق، فصار العالم بأسره يعلم أن الخيل العربية مميزة بطبعها وتفاصيلها كإنسانها العربي الذي تعيش معه، ويعيش معها، فالفروسية بالنسبة لنا هي تاريخ طويل، وعلاقة متينة ربطت الإنسان العربي بهذا المخلوق الذي حسنه ربه وجمله، وجعل الخير معقوداً في نواصيه إلى يوم القيامة.
إن هذه الكؤوس ليست سوى ردٍ بسيط للجميل، واعتراف بالامتنان لكل أولئك الذين قادوا سفينة هذه البلاد إلى بر الأمان، في أحلك الظروف التي عاشتها، وفي أحسنها، فكانوا فرسان المهام الصعبة وقت الشدة، وفرسان التنمية وقت الرخاء، فالفروسية لازمتهم بحياتهم وحتى مماتهم، ناهيكم عن الفارس الذي امتطى صهوة الجياد، وأعلم الدنيا بأفعاله قبل أقواله إن مملكة الإنسانية التي اعتاد الناس على النهل من خيرها، هي مملكة الإنسانية التي قد تستخدم القوة لتوقف الطغيان عند حده، لأن الهدف نبيل، والغاية سامية، وما ذاك إلا فارسنا المغوار الملك/ سلمان بن عبدالعزيز.
إن اللسان حقيقة ليعجز عن التعبير، خصوصاً حينما يكون الحديث عن أبطال وفرسان يعجز الوصف عن إعطائهم حقهم، ويعجز البيان عن سرد فضلهم، ولكننا نحاول مجاراة أعمالهم، ولو بالقليل من الحديث عنهم، لأن ذكراهم لا يمكن أن تنسى، وأعمالهم لا يمكن أن تمحى من ذاكرة الزمان، أو المكان، أو حتى الوجدان، لأنهم لمسوا وجدان الناس، فكان حقاً على كل من عرفهم أن يكن لهم الحب والتقدير والإعجاب والرضا عن كل ما فعلوه لرفعة هذا الوطن الذي صار معلماً بارزاً في جبين الحاضر والمستقبل، ومنارة لكل العالمين، فتوجه الناس إليها في دينهم ودنياهم، فاستحقت بحق أن تكون مملكة الإنسانية.