كتب - محمد المنيف:
قد يجهل الجيل الجديد الكثير من رموز الفن التشكيلي الذين أسهموا إسهامًا جميلاً في مسيرة هذا الفن في بداية انطلاقته ممن يعدون من رواد البدايات والمشاركين فعليًا في مسيرة الفن بمشاركاته الفنية أو الإدارية، ومن هؤلاء الفنان سليمان المقبل الذي يعود مجددًا بعد أن حط رحال العمل الوظيفي وانطلق في فضاء الإبداع مستغلاً ما لديه من وقت وخبرة ومختزل فني وبصري اختص به وهو البيئة، فنان يتعامل مع منجزه بحميمية التواصل بين ماضٍ لن يعود وذكريات تستحق التوثيق فوجد في جماليات الموروث بكل تنوعه الثابت كأنماط البناء والمشغولات اليديوية أو ما كان يراه في منزلهم القديم من أدوات لكل سبل العيش والمتحرك التي تمثل حياة المجتمعات في فترة زمنية مضت وما كانت تتمتع به تلك المجتمعات من محبة وألفة وتعاون وبساطة عيش، التي قال عنها: إنها أهم مصادر إبداعه لغناها بالتراث.
والتنوع الطبيعي مكمل تعريفه باختياره لعناصره البيئية، دراساته الاجتماعية والإنسانية والانثروبولجية - ما جعل تلك المصادر وموضوعات اللوحات ذات علاقة وجدانية ومادة دسمة للتعامل الفني والتقني - مشيرًا إلى أن المختزل البصري يبقى عن كل ما يمر ويذهب، ليشكل بالتالي وعي وثقافة - وحول توقفه قال: إنها مرحلة تأمل وتحليل وتفكر وتبصر وبحكم ضغط العمل ثم
الدافع إلى الرغبة في عطائي المتواضع مؤكدًا متابعته جيدة للساحة - وحول معرضه قال: إنه ليس استعدادي بالمعنى المفهوم ولكن حصيلة تداعي معانٍ - وعن تمسكه بالواقعية في زمن التحرك نحو المفاهيمية والأعمال غير المتحفية قال..
بالنسبة للمفأهمية فبالتأكيد شخصكم الكريم يدركها أكثر مني ولكنها تبقى مجالاً رحبًا للحوار والتعبير ولمختلف الخامات كما أن المدرسة الواقعية مؤشر لمستويات الفنان المختلفة.
سيره ومسيرة مبدع
السيرة الذاتية باختصار من مواليد 75 متقاعد، مستشار في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وسابقًا مدير عام فرع الوزارة بكل من الرياض وعسير ومشرف على برامجها وأنشطتها وفعالياتها الاجتماعية والفنية داخليًا وخارجيًا وعضو سابق في لجنة الفنون التشكيلية بالرياض فمدير متعاون للمركزالثقافي ومركزالنشاطات في جمعية الثقافة ثم نائب لرئيس لجنة الفنون التشكيلية بالرياض وحاليًا عضو في الجمعية السعودية للفنون التشكيلية وعلى مدى أربعة عقود شارك في معظم الفعاليات والمسابقات والمعارض الخيرية والمناسبات الوطنية محليًا وخارجيًا وحصل على عدة مراكز متقدمة وشهادات تقدير ودروع عدة ويعد حاليًا لمعرضه الثالث (تداعي المعاني) أعمال متحفية تستحق الاقتناء.
من يشاهد لوحات الفنان سليمان المقبل المخضرم الذي عايش مختلف الأجيال ومراحل الفن التشكيلي السعودي يتبادر إلى ذهنه المتاحف التي تهتم بالحياة والمجتمع والبيئة التي تجد الاهتمام في كثير من الدول كونها توثق مراحل حياتية تستحق أن يكون لها متاحف خاصة لتتعرف الأجيال الجديدة التي تعيش مظاهر الحضارة الحديثة أن مجتمعاتها السابقة عاشت كل حالات المصاعب الحياتية والمعيشية.
فاللوحات التي يمتلك الفنان مختزلها التاريخي والبيئي أمثال الفنان سليمان المقبل تعد موسوعة تاريخية بصرية تعوض عن الكاميرا في استعادة واقع لم يعد له سوى الذاكرة، كما جسدته فرشاته لحياة الإنسان العادي بكل تفاصيلها.
إن مثل هؤلاء التشكيليين الجامعين للذاكرة التوثيقية أو التسجيلية وإمكانية نقلها إلى اللوحة بقدراته التشكيلية يستحقون الاهتمام والاستفادة منهم في أعمال تشكل تاريخًا بصريًا تقرأه كل الأجيال وكل اللغات ومصدرًا للباحثين في مجالات التراث الشعبي القديمة والأحياء التي لم يعد لها وجود ولا ما يدور فيها من مظاهر الحياة.
لقد جمع الفنان سليمان المقبل صفات الفنان الحقيقية..هادئ.. متواضع يتعامل مع الآخرين ببساطته النابعة من الثقة، فنان أصيل لا يتصنع التعامل مع لوحاته ولا يبحث عن المقارنة أو المنافسة أو تقليد للآخرين فلوحاته صناديق أسراره ومساحة شاسعة لبوح مشاعره، جعل منها نوافذ يستنشق منها عطر الحياة ودفء قلوب من يحبهم ويحبونه صديق للجميع.